قَالَ الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى فِي "تفسيره": رَوَى العوفي، عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن هذه الآية نزلت فِي عمار بن ياسر، حين عذبه المشركون، حَتَّى يكفر بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، فوافقهم عَلَى ذلك، مُكرها، وجاء معتذرا إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل الله هذه الآية. وهكذا قَالَ الشعبي، وقتادة، وأبو مالك. وَقَالَ ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن عبد الكريم الجزري، عن أبي عبيدة ابن محمد بن عمار بن ياسر، قَالَ: أخذ المشركون عمار بن ياسر، حَتَّى قاربهم فِي بعض ما أرادوا، فشكا فِي ذلك إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "كيف تجد قلبك؟ " قَالَ: مطمئنا بالإيمان، قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إن عادوا فعد"، ورواه البيهقي بأبسط منْ ذلك، وفيه: أنه سب النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وذكر آلهتهم بخير، فشكا ذلك إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: يا رسول الله، ما تركت حَتَّى سببتك، وذكرت آلهتهم بخير، قَالَ:"كيف تجد قلبك؟ " قَالَ: مطمئنا بالإيمان، فَقَالَ:"إن عادوا فعد"، وفي ذلك أنزل الله:{إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}. ذكره ابن كثير فِي "تفسيره" ٢/ ٥٨٨ - ٥٨٩.
ومعنى الآية -والله تعالى أعلم- إلا منْ أظهر الكفر بلسانه، ووافق المشركين بلفظه، مُكرها لما ناله منْ ضرب، وأذى، وقلبه يأبى ما يقول، وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله، فإنه لا إثم عليه فِي ذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث رجل منْ أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- هَذَا صحيح، وهو منْ أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، لم يروه منْ هَذَا الوجه منْ أصحاب الأصول غيره، وَقَدْ أخرجه ابن ماجه منْ حديث عليّ -رضي الله عنه-، كما يأتي فِي التنبيه التالي.
[تنبيه]: هَذَا الْحَدِيث أخرجه الحاكم فِي "مستدركه" ٣/ ٣٩٢ - منْ طريق محمد بن أبي يعقوب، ثنا عبد الرحمن مهدي، عن سفيان، عن الأعمش، عن أبي عمار، عن عمرو بن شُرحبيل، عن عبد الله -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"ملىء عمار إيمانًا إلى مشاشه"، وَقَالَ: هَذَا حديث صحيح، عَلَى شرط الشيخين، إن كَانَ محمد بن أبي يعقوب حفظ عن عبد الرحمن بن مهديّ. انتهى. ووافقه الذهبيّ.
وابن أبي يعقوب هَذَا ثقة منْ شيوخ البخاريّ، واسم أبيه إسحاق، فإذا كَانَ حفظه، فلا يزيد عَلَى كونه صحيحًا؛ لأن أبا عمار ليس منْ رجال الشيخين. أفاده الشيخ الألباني رحمه الله تعالى فِي "الصحيحة" ٢/ ٤٦٦ - ٤٦٧.
وأخرجه ابن ماجه فِي "سننه"، فَقَالَ:
١٤٧ - حدثنا نصر بن علي الجهضمي، حدثنا عَثَّام بن عليّ، عن الأعمش، عن أبي