(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي لبس الخاتم لغير ذي سلطان:
قَالَ الطحاويّ رحمه الله تعالى: ذهب قوم إلى كراهة لبس الخاتم، إلا لذي سلطان، وخالفهم آخرون، فأباحوه، ومن حجتهم حديث أنس -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما ألقى خاتمه، ألقى النَّاس خواتيمهم، فإنه يدلّ عَلَى أنه كَانَ يلبس الخاتم فِي العهد النبوي، منْ ليس ذا سلطان.
[فإن قيل]: هو منسوخ، [قلنا]: الذي نُسخ منه لبس خاتم الذهب، قَالَ الحافظ: أو لبس خاتم المنقوش عليه نقش خاتم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم أورد الطحاويّ عن جماعة منْ الصحابة والتابعين، أنهم كانوا يلبسون الخواتم، ممن ليس له سلطان. انتهى.
ولم يجب عما فِي حديث أبي ريحانة -رضي الله عنه- منْ النهي إلا لذي سلطان، قَالَ الحافظ: والذي يظهر أن لبسه لغير ذي سلطان خلاف الأولى؛ لأنه ضرب منْ التزين، واللائق بالرجال خلافه، وتكون الأدلة الدالة عَلَى الجواز، هي الصارفة للنهي عن التحريم، ويؤيده أن فِي بعض طرقه:"نهي عن الزينة، والخاتم … " الْحَدِيث، ويمكن أن يكون المراد بالسلطان منْ له سلطنة عَلَى شيء ما، يحتاج إلى الختم عليه، لا السلطان الأكبر خاصة، والمراد بالخاتم ما يختم به، فيكون لبسه عبثا، وأما منْ لبس الخاتم الذي لا يختم به، وكان منْ الفضة للزينة، فلا يدخل فِي النهي، وعلى ذلك يحمل حال منْ لبسه، ويؤيده ما ورد منْ صفة نقش خواتم بعض منْ كَانَ يلبس الخواتم، مما يدلّ عَلَى أنها لم تكن بصفة ما يختم به.
وَقَدْ سئل مالك عن حديث أبي ريحانة، فضعفه، وَقَالَ: سأل صدقةُ بنُ يسار سعيد ابنَ المسيب؟، فَقَالَ: البس الخاتم، وأخبر النَّاس أني قد أفتيتك. والله أعلم. ذكره فِي "الفتح" ١١/ ٥١١ - ٥١٢.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما قاله ابن المسيّب رحمه الله تعالى هو الحقّ؛ لأن النهي يعتمد عَلَى دليل صحيح، ولم يصحّ حديث أبي ريحانة -رضي الله عنه-، لما عرفت منْ جهالة الراوي عنه، وعلى تقدير صحّته يُحمل النهي عَلَى خلاف الأولى، كما سبق عن الحافظ رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".