(عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بن الزبير (عَنِ امْرَأَتِهِ، فَاطِمَةَ) بنت المنذر بن الزبير (عَنْ) جدّتهما (أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَعَنَ الْوَاصِلَةَ) أي التي تصل شعرها بشعر آخر، سواء كانت تصل بشعر نفسها، أو بشعر غيرها (وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) أي التي تأمر منْ يفعل بها ذلك. قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث نصّ فِي تحريم وصل الشعر بالشعر، وبه قَالَ مالك، وجماعة العلماء، ومنعوا الوصل بكلّ شيء، منْ الصوف، والخرق، وغيرها؛ لأن ذلك كلّه فِي معنى وصله بالشعر، ولعموم نهي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن تصل المرأة شعرها، وَقَدْ شذّ الليث ابن سعد، فأجاز وصله بالصوف، والخِرَق، وما ليس بشعرٍ، وهو محجوج بما تقدّم. وأباح آخرون وضع الشعر عَلَى الرأس، وقالوا: إنما نُهي عن الوصل خاصّةً، وهذه ظاهريّة محضة، وإعراضٌ عن المعنى. وَقَدْ شذّ قومٌ، فأجازوا الوصل مطلقًا، وتأوّلوا الْحَدِيث عَلَى غير وصل الشعر، وهو قولٌ باطلٌ. وَقَدْ روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، ولم يصحّ عنها.
ولا يدخل فِي هَذَا النهي ما رُبط منْ الشعر بخيوط الحرير الملوّنة، وما لا يُشبه الشعر، ولا يكثّره، وإنما يُفعل ذلك للتجمّل، والزينة. انتهى "المفهم" ٥/ ٤٤٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "ولا يدخل الخ" هَذَا عندي محلّ توقّف.
[تنبيه]: قوله: "الواصلة، والمستوصلة": هَذَا القدر هو الذي وُجد منْ حديث أسماء رضي الله تعالى عنها، فكأنها ما سمعت الزيادة التي فِي حديث أبي هريرة، وابن عمر -رضي الله عنهم- فِي الواشمة، والمستوشمة، فقد أخرج الطبريّ بسند صحيح، عن قيس بن أبي حازم، قَالَ:"دخلت مع أبي عَلَى أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه-، فرأيت يد أسماء موشومة"، قَالَ الطبريّ: كأنها كانت صنعته قبل النهي، فاستمرّ فِي يدها، قَالَ: ولا يُظنّ بها أنها فعلته بعد النهي؛ لثبوت النهي عن ذلك. قَالَ الحافظ: ويحتمل أنها لم تسمعه، أو كانت بيدها جراحة، فداوتها، فبقي الأثر مثلُ الوشم فِي يدها. انتهى "فتح" ١١/ ٥٧٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهدا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنهما هَذَا متَّفقٌ عليه.