للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

النهي عن لبس الذهب للنساء محمول عَلَى منْ أظهرت زينتها، وَقَدْ سبقه إلى ذلك الإمام الدارميّ فِي "مسنده"، حيث قَالَ: "باب كراهة إظهار الزينة"، واستدلّ بحديث أخت حذيفة الآتي، وَقَدْ سلك العلماء فِي تأويل تلك الأحاديث مسالك.

قَالَ الحافظ المنذريّ رحمه الله تعالى فِي "الترغيب والترهيب" ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥: وهذه الأحاديث التي ورد فيها الوعيد عَلَى تحلّي النِّساء بالذهب تحتمل وجوهًا منْ التأويل: (أحدها): أن ذلك منسوخ، فإنه قد ثبت إباحة تحلّي النِّساء بالذهب. (والثاني): أن هَذَا فِي حقّ منْ لا تؤدّي زكاته، دون منْ أدّتها، ويدلّ عَلَى هذ حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، وعائشة، وأسماء رضي الله تعالى عنهم. (الثالث): أنها فِي حقّ منْ تزيّنت به، وأظهرته، ثم استدلّ لذلك بحديث أخت حذيفة الآتي. (الرابع): أنه إنما منع منه فِي حديث الأسورة، والفتخات لما رأى منْ غلظه، فإنه مظنّة الفخر والخيلاء، وبقية الأحاديث محمولة عَلَى هَذَا. انتهى كلام المنذريّ باختصار (١).

وَقَالَ الإمام ابن القيّم رحمه الله تعالى فِي "تهذيب السنن": اختلف النَّاس فِي هذه الأحاديث، وأشكلت عليهم، فطائفة سلكت مسلك التضعيف، وعلّلتها كلها. وطائفة ادّعت أن ذلك كَانَ أول الإسلام ثم نُسخ، واحتجّت بحديث أبي موسى عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أُحلّ الذهب للإناث منْ أُمّتي، وحُرّم عَلَى ذكورها". قَالَ الترمذيّ: حديث صحيح، ورواه ابن ماجه فِي "سننه" منْ حديث عليّ، وعبد الله بن عمرو، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.

وطائفة حملت هَذَا الوعيد عَلَى منْ لم تؤدّ زكاة حليّها، فأما منْ أدّته، فلا يلحقها هَذَا الوعيد، واحتجّوا بحديث عمرو بن شُعيب، عن أبيه، عن جدّه: أن امرأة منْ اليمن أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعها ابنة لها، وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان منْ ذهب، فَقَالَ لها: "أتؤدّين زكاة هَذَا؟ "، قالت: لا، قَالَ: "أيسُرُّك أن يسوّرك الله بسوارين منْ نار؟ "، قَالَ: فخلعتهما، فألقتهما إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقالت: هما لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- (٢).

وبما رَوَى أبو داود عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها، قالت: كنت ألبس أوضاحاً منْ ذهب، فقلت: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكنز هو؟ فَقَالَ: ما بلغ أن تؤدّي زكاته، فزُكّي فليس بكنز". وهذا منْ أفراد ثابت بن عجلان، والذي قبله منْ أفراد عمرو بن شعيب.

وطائفة منْ أهل العلم حملت أحاديث الوعيد عَلَى منْ أظهرت حليتها، وتبرّجت بها دون منْ تزيّنت بها لزوجها، قَالَ النسائيّ فِي "سننه وَقَدْ ترجم عَلَى ذلك: "الكراهية للنساء فِي


(١) راجع "الترغيب والترهيب" ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
(٢) حديث صحيح تقدّم للمصنف فِي "الزكاة" برقم ١٩/ ٢٤٧٩.