للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخرجه هنا -٤٦/ ٥١٩٧ - وفي "الكبرى" ٦٢/ ٩٥٠٨. وأخرجه (د) فِي "الخاتم" ٤٢٢٣ (ت) فِي "اللباس" ١٧٨٥.

(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي خاتم الحديد:

قَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: وأما الخاتم، والصُّفر، والنحاس، فالمذهب -أي مذهب أحمد- كراهته للرجال، والنساء. قَالَ مُهنّا: سألت أحمد عن خاتم الحديد؟ فَقَالَ: أكرهه، وهو حلية أهل النار، قلت: الشَّبَهُ؟ قَالَ: لم تكن خواتيم النَّاس إلا فضّة. وَقَالَ فِي رواية أبي طالب -وسأله عن الحديد، والصفر، والرصاص، فكرهه، فَقَالَ-: أما الحديد، والصفر، فنعم، وأما الرصاص فلست أعلم فيه شيئًا، وله رائحة إذا كَانَ فِي اليد- كأنه كرهه. قَالَ: وكذلك كره مالك، وأبو حنيفة خاتم الحديد، والصفر، والرصاص.

قَالَ: ثم هذه الكراهة كراهة تنزيه عند أكثر الأصحاب، وظاهر كلام ابن أبي موسى تحريمه عَلَى الرجال والنساء، وحُكي عن أبي بكر عبد العزيز أن منْ صلى وفي يده خاتم حديد، أو صُفر أعاد الصلاة. وَقَالَ أحمد فِي رواية، وَقَدْ سُئل عن رجل يلبس خاتم الحديد، فيصلي؟ قَالَ: لا.

قَالَ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: والصحيح عدم التحريم فإن الأحاديث فيه -يعني أحاديث النهي عن خاتم الحديد- لا تخلو عن مقال، وَقَدْ عارضها ما هو أثبت منها، كالحديث الذي فِي "الصحيحين" أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لخاطب المرأة التي عرضت نفسها عليه: "التمس ولو خاتمًا منْ حديد". انتهى كلام ابن رَجَب رحمه الله تعالى منْ "كتاب أحكام الخواتيم" له ملخّصًا.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى منْ ترجيح عدم تحريم خاتم الحديد هو الأرجح عندي، وَقَدْ سبقه إلى ذلك الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه"، حيث قَالَ: "باب خاتم الحديد"، ثم أورد بسنده حديث: "اذهب فالتمس، ولو خاتمًا منْ حديد"، لكن اعترض عليه الحافظ فِي "الفتح"، فَقَالَ: استدلّ به عَلَى جواز لبس خاتم الحديد، ولا حجة فيه؛ لأنه لا يلزم منْ جواز الاتّخاذ جواز اللبس، فيحتمل أنه أراد وجوده لتنتفع المرأة بقيمته. انتهى.

لكن الذي يظهر لي أن احتجاج البخاريّ به عَلَى الجواز هو الظاهر؛ لأن الذين منعوا لبس خاتم الحديد منعوه للرجال والنساء، لا للرجال فقط، فلو كَانَ ممنوعًا مطلقًا لبينه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يقال: إنه -صلى الله عليه وسلم- أهدى لعمر -رضي الله عنه- حلة حرير، فَقَالَ عمر: يا رسول الله كسوتنيها، وَقَدْ قلت فِي حلة عطارد: ما قلت؟ قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إني لم أكسكها لتلبسها"