للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بقوله: "ألا وهذا الزور"، وزاده قتادة وُضوحاً. والزور فِي غير هَذَا الْحَدِيث قول الباطل، والشهادة بالكذب، وأصل التزوير التمويه بما ليس بصحيح.

وهذا القول حجة واضحة عَلَى إبطال قول منْ قصر التحريم عَلَى وصل الشعر، كما تقدّم، وهذا يدلّ عَلَى اعتبار أقوال أهل المدينة عندهم، وأنها مرجع يُعتمد عليه فِي الأحكام، وهو منْ حجج مالك عَلَى أن إجماع أهل المدينة حجة، وَقَدْ حقّقنا ذلك فِي الأصول. انتهى "المفهم" ٥/ ٤٤٨.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: أما الاستدلال بقول معاوية -رضي الله عنه- هَذَا عَلَى حجيّة إجماع أهل المدينة، فغير واضح، والأرجح أنه لا يكون حجة، كما هو مذهب الجمهور، والمسألة مبسوطة فِي فنّ الأصول، فاستفد منه. والله تعالى أعلم.

وقوله: "إنما هلكت بنو إسرائيل الخ": قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: يظهر منه أن ذلك كَانَ محرّما عليهم، وأن نساءهم ارتكبوا ذلك المحرّم، فأقرهنّ عَلَى ذلك رجالهم، فاستوجب الكلّ العقوبة بذلك، وبما ارتكبوه منْ العظائم. انتهى. "المفهم" ٥/ ٤٤٨.

وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: قَالَ القاضي: قيل: يحتمل أنه كَانَ محرّما عليهم، فعوقبوا باستعماله، وهلكوا بسببه. وقيل: يحتمل أن الهلاك كَانَ به، وبغيره مما ارتكبوه منْ المعاصي، فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا، وفيه معاقبة العامّة بظهور المنكر. انتهى "شرح مسلم" ١٤/ ١٠٨ - ١٠٩.

والحديث متّفق عليه، وتقدّم فِي ٢١/ ٥٠٩٤ و٥٠٩٥ مستوفى البحث، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

٥٢٤٨ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ، فَخَطَبَنَا، وَأَخَذَ كُبَّةً مِنْ شَعْرٍ، قَالَ: مَا كُنْتُ أَرَى أَحَدًا يَفْعَلُهُ إِلاَّ الْيَهُودَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَلَغَهُ، فَسَمَّاهُ الزُّورَ).

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وَقَدْ تقدّموا غير مرّة.

وقوله: "كُبّة" بضم الكاف، وتشديد الموحّدة: هي الشعر المكفوف بعضه عَلَى بعض.

وقوله: "فسمّاه الزور": الزور: المراد به هنا الباطل، أي إن استعمال هَذَا باطلٌ، لا