[الحجّ: ٢٣]. وَقَدْ جاء مثل ذلك عن ابن عمر أيضًا، أخرجه المصنّف فِي "الكبرى"(٩٥٨٦) منْ طريق حفصة بنت سيرين، عن خليفة بن كعب، قَالَ:"خطبنا ابن الزبير"، فذكر الْحَدِيث المرفوع، وزاد:"فَقَالَ ابن عمر: إذًا والله لا يدخل الجنة، قَالَ الله:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}[الحجّ: ٢٣].
ويحتمل أنه وإن دخلها لا يلبسه، ولا ينافي هَذَا قوله تعالى فِي وصف أهل الجنّة:{لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ} الآية [الفرقان: ١٦]، وقوله:{وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ}[فصّلت: ٣١]؛ لأنه يرفع عنه الاشتهاء، فلا رغبة له فِي لباس الحرير.
ويؤيّد هَذَا ما أخرجه أحمد، والمصنّف فِي "الكبرى" (٩٦١١)، وصححه الحاكم منْ طريق داود السرّاج، عن أبي سعيد، فذكر الْحَدِيث المرفوع مثل حديث عمر الآتي، وزاد: "وإن دخل الجنّة لبسه أهل الجنّة، ولم يلبسه هو".
قَالَ الحافظ: وهذا يحتمل أن يكون أيضًا مدرجًا، وعلى تقدير أن يكون الرفع محفوظًا، فهو منْ العامّ المخصوص بالمكلّفين منْ الرجال؛ للأدلّة الأخرى بجوازه للنساء. أفاده فِي "الفتح" ١١/ ٤٦٩.
وَقَالَ القاضي عياض رحمه الله تعالى فِي "شرح مسلم": وروى عن ابن الزبير أنه قَالَ: "منْ لم يلبسه فِي الآخرة لم يدخل الجنّة، قَالَ الله تعالى:{وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}[الحجّ: ٢٣]. يحتمل أنه يريد بالحديث كفّار ملوك العجم، والأمم الذين كَانَ زيّهم. ويحتمل أنه يريد منْ أراد الله عقابه بذلك منْ مذنبي المؤمنين، فتحريمه فِي الآخرة وقفه قبل دخول الجنّة، وإمساكه عنها مدّة حسابه. وَقَدْ يحتمل أنه يُمنع منْ لباسه بعد دخول الجنّة، لكن يُنسيه الله تعالى أمره، ويشغله عن ذكره بلذّات أخرى عنه حَتَّى يقضي الله أمر حبسه عنه، أو أبدًا، ويكون هو راضيًا أثناء ذلك بحاله، غير ملتفت إلى ما نقصه منْ لباسه، ولا حاسد غيره عليه، ولا منتغص بذلك، ولا ذاكر له؛ ليتمّ لذّته دون نغص، ولا حسد، ولا رؤية نقص لحاله؛ إذ لا حُزن، ولا نغص فِي الجنّة، ولا يرى أحد منهم أن منزلة غيره فوقه، ولا لذّة فوق لذّته، كما أن أهل الغرف فِي عليّين يراهم منْ دونهم كالكوكب الدّرّيّ فى أفق السماء، ثم منْ دونهم لا نقص عنده بحالهم، ولا نقص لحاله دونهم.
وَقَدْ يكون معنى قوله:"لم يلبسه فِي الآخرة"، إذا حرم أن يلبسه فِي الآخرة مدّة عقابه إذا عوقب عَلَى معصيته بارتكاب النهي. انتهى كلام عياض فِي "إكمال المعلم" ٦/ ٥٨٢ - ٥٨٣.