للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وحكاية هَذَا الإجماع منْ هَذَا الشافعيّ يكفي فِي مقابلة حكاية الاتفاق منْ ذلك الشافعيّ الرافعيّ.

وبالجملة فتطويل البحث فِي مثل هَذَا لا يأتي بكثير فائدة، فإن أمره أوضح منْ كلّ واضح، وليس ما يقوله منْ كَانَ منْ أُسراء التقليد بلازم لمن فتح الله عليه أبواب المعارف، ورزقه منْ العلم ما يخرُج به عن تقليد الرجال، وما هذه بأوّل فاقرة جاء بها المقلّدون، ولا هي بأول مقالة قالها المقصّرون، ومن حصر فضل الله تعالى عَلَى بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة المطهّرة عَلَى منْ تقدّم عصره، فقد تجرّأ عَلَى الله عز وجل، ثم عَلَى شريعته الموضوعة لكلّ عباده، ثم عَلَى عباده الذين تعبّدهم الله تعالى بالكتاب والسنّة.

ويا لله العجب منْ مقالات هي جهالات وضلالات، فإن هذه المقالة تستلزم رفع التعبّد بالكتاب والسنّة، وأنه لم يبق إلا تقليد الرجال الذين هم متعبّدون بالكتاب والسنّة، كتعبّد منْ جاء بعدهم عَلَى حدّ سواء، فإن كَانَ التعبّد بالكتاب والسنّة مختصّا بمن كانوا فِي العصور السابقة، ولم يبق لهؤلاء إلا التقليد لمن تقدّمهم، ولا يتمكّنون منْ معرفة أحكام الله منْ كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فما الدليل عَلَى هذه التفرقة الباطلة، والمقالة الزائفة، وهل النسخ إلا هَذَا، {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: ١٦]. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله تعالى فِي كتابه النفيس "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحقّ منْ علم الأصول" ٢/ ٣٠٤ - ٣١٠ بتحقيق د/ شعبان محمد إسماعيل وهو كلام نفيس، وبحث أنيس.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا التحقيق الذي أفاض به الإِمام المحقق الشوكاني رحمه الله تعالى هو الحق الحقيق بالقبول، وما خالفه هو التهور المخذول، فعليك باتباع الحق، وإن قلّ أصحابه، واجتناب الباطل، وإن كثر أحزابه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل، اللَّهم أرنا الحق حق وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه، آمين.

وإلى الاختلاف فِي خلوّ العصر عن مجتهد أشار السيوطيّ رحمه الله تعالى فِي "الكوكب الساطع" حيث قَالَ:

جَازَ خُلُوُّ الْعَصْرِ عَنْ مُجْتَهِدِ … وَمُطْلَقًا يَمْنَعُ قَوْمُ أَحْمَدِ

وَابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ لَا إِنْ أَتَتِ … أَشْرَاطُهَا وَالْمُرْتَضَى لَمْ يَثْبُتِ

والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

***