قَالَ: وَقَالَ آخرون: بل عُنِي بذلك كفرٌ دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق. ثم أخرج ذلك عن عطاء، وعن طاوس قَالَ: ليس بكفر ينقل عن الملة. وأخرج عن طاوس، قَالَ: قَالَ رجل لابن عبّاس فِي هذه الآيات: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فمن فعل هَذَا فقد كفر، قَالَ ابن عبّاس: إذا فعل ذلك فهو به كفر، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر وبكذا وكذا.
وَقَالَ آخرون: بل نزلت هذه الآيات فِي أهل الكتاب، وهي مراد بها جميع النَّاس، مسلموهم وكفارهم. وممن قَالَ بذلك إبراهيم النخعي، قَالَ: نزلت هذه الآيات فِي بني إسرائيل، ورضي لهذه الأمة بها. وَقَالَ الحسن البصريّ: نزلت فِي اليهود، وهي علينا واجبة.
وعن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة؟ فَقَالَ: منْ السحت، فقالا: أفي الحكم؟ قَالَ: ذاك الكفر، ثم تلا هذه الآية {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
قَالَ: وَقَالَ آخرون: معنى ذلك ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به، فأما الظلم والفسق فهو للمقر به. ثم أخرج بسنده عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاس قَالَ: منْ جحد ما أنزل الله فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم، فهو ظالم فاسق.
قَالَ الطبريّ رحمه الله تعالى: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول منْ قَالَ: نزلت هذه الآيات فِي كفار أهل الكتاب؛ لأن ما قبلها وما بعدها منْ الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها، وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولى.
فإن قَالَ قائل: فإن الله تعالى قد عم بالخبر بذلك عن جميع منْ لم يحكم بما أنزل الله، فكيف جعلته خاصا؟.
قيل: إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به فِي كتابه جاحدين، فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم عَلَى سبيل ما تركوه كافرون، وكذلك القول فِي كل منْ لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر، كما قَالَ ابن عبّاس؛ لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله فِي كتابه نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي. انتهى ملخّص كلام ابن جرير رحمه الله تعالى (١).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي رجحه ابن جرير رحمه الله تعالى هو الحقّ عندي، وحاصله أن الآيات نزلت فِي أهل الكتاب؛ لدلالة السياق عَلَى ذلك، ولكنها
(١) راجع "تفسير ابن جرير" ١٠/ ٢٤٥ - ٣٥٨ تحقيق محمود محمّد شاكر.