ترتب عَلَى شهادة الزور، فإذا اعتمد الحكم، وتعمد الدخول بها، فقد ارتكب مُحَرَّما، كما لو كَانَ الحكم بالمال فأكله، ولو ابتلى الثاني كَانَ حكم الثالث كذلك، والفحش إنما لزم منْ الإقدام عَلَى تعاطي المحرم، فكان كما لو زنوا ظاهرا، واحد بعد واحد.
وَقَالَ ابن السمعاني: شرطُ صحة الحكم وجودُ الحجة، وإصابة المحل، وإذا كانت البينة فِي نفس الأمر شهود زور، لم تحصل الحجة؛ لأن حجة الحكم هي البينة العادلة، فإن حقيقة الشهادة إظهار الحق، وحقيقة الحكم إنفاذ ذلك، وإذا كَانَ الشهود كَذَبَةً، لم تكن شهادتهم حقا، قَالَ: فإن احتجوا بأن القاضي حكم بحجة شرعية، أمر الله بها، وهي البينة العادلة فِي علمه، ولم يكلف بالاطلاع عَلَى صدقهم فِي باطن الأمر، فإذا حكم بشهادتهم، فقد امتثل ما أُمر به، فلو قلنا: لا ينفذ فِي باطن الأمر، للزم إبطال ما وجب بالشرع؛ لأن صيانة الحكم عن الإبطال مطلوبة، فهو بمنزلة القاضي فِي مسألة اجتهادية، عَلَى مُجتَهِد لا يعتقد ذلك، وأنه يجب عليه قبول ذلك، وإن كَانَ لا يعتقده؛ صيانةً للحكم.
وأجاب ابن السمعاني، بأن هذه الحجة للنفوذ، ولهذا لا يأثم القاضي، وليس منْ ضرورة وجوب القضاء نفوذ القضاء حقيقة فِي باطن الأمر، وإنما يجب صيانة القضاء عن الإبطال إذا صادف حجة صحيحة. والله أعلم. انتهى "فتح" ١٥/ ٨٢ - ٨٣.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر منْ الحجج أن ما ذهب إليه الجمهور، منْ أن حديث الباب عَلَى إطلاقه، فيشمل جميع الأحكام عقودًا، وفسوخًا، وغير ذلك، أمولاً، وفروجًا هو الحقّ، وأن القول بالتفرقة بين المال والبضع قول ضعيفٌ، بل باطلٌ؛ لمخالفته لهذا الْحَدِيث، وغيره. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[فرع]: لو كَانَ المحكوم له يعتقد خلاف ما حكم له به الحاكم، هل يحل له أخذ ما حكم له به، أو لا، كمن مات ابن ابنه، وترك أخا شقيقا، فرفعه لقاض يَرى فِي الجد رأي أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-، فحكم له بجميع الإرث، دون الشقيق، وكان الجد المذكور يرى رأي الجمهور، نقل ابن المنذر رحمه الله تعالى عن الأكثر أنه يجب عَلَى الجد أن يشارك الأخ الشقيق؛ عملاً بمعتقده، والخلاف فِي المسألة مشهور. ذكره فِي "الفتح" ١٥/ ٨٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".