للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حنيفة، والشافعي، وكتب أبو بكرة إلى عُبيد الله بن أبي بكرة، وهو قاض بسجستان: أن لا تحكم بين اثنين، وأنت غضبان، فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يحكم أحد بين اثنين، وهو غضبان"، متَّفقٌ عليه، وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى: "إياك والغضب، والقلق، والضجر، والتأذي بالناس، والتنكر لهم عند الخصومة، فإذا رأيت الخصم يتعمد الظلم، فأوجع رأسه"، ولأنه إذا غضب تغير عقله، ولم يستوف رأيه وفكره، وفي معنى الغضب كُلُّ ما شغل فكره، منْ الجوع المفرط، والعطش الشديد، والوجع المزعج، ومدافعة أحد الأخبثين، وشدة النعاس، والهم والغم، والحزن والفرح، فهذه كلها تمنع الحاكم؛ لأنها تمنع حضور القلب، واستيفاء الفكر الذي يُتوصّل به إلى إصابة الحق فِي الغالب، فهي فِي معنى الغضب المنصوص عليه، فتجري مجراه. انتهى "المغني" ١٤/ ٢٥. وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم هل ينفذ حكم الحاكم حالة الغضب، أم لا؟:

قَالَ فِي "المغني" ١٤/ ٢٥ - ٢٦: فإن حكم فِي الغضب، أو ما شاكله، فحُكي عن القاضي أنه لا ينفذ قضاؤه؛ لأنه منهي عنه، والنهي يقتضي فساد المنهي عنه. وَقَالَ فِي "المجرد": ينفذ قضاؤه، وهو مذهب الشافعيّ؛ لما رُوي أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اختصم إليه الزبير، ورجل منْ الأنصار، فِي شِرَاج الْحَرّة، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للزبير: "اسق، ثم أرسل الماء إلى جارك"، فَقَالَ الأنصاريّ: آن كَانَ ابن عمتك؟ فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وَقَالَ للزبير: اسق، ثم احبس الماء حَتَّى يبلغ الجدر"، متَّفقٌ عليه، فحكم فِي حال غضبه. وقيل: إنما يمنع الغضب الحاكمَ إذا كَانَ قبل أن يتضح له الحكم فِي المسألة، فأما إن اتضح الحكم، ثم عرض الغضب لم يمنعه؛ لأن الحق قد استبان قبل الغضب، فلا يؤثر الغضب فيه. انتهى.

وَقَالَ فِي "الفتح" ١٥/ ٣٦: لو خالف، فحكم فِي حال الغضب صح، إن صادف الحق مع الكراهة، هَذَا قول الجمهور، وَقَدْ تقدّم أنه -صلى الله عليه وسلم-، قضى للزبير بشراح الحرة، بعد أن أغضبه خصم الزبير، لكن لا حجة فيه لرفع الكراهة عن غيره؛ لعصمته -صلى الله عليه وسلم-، فلا يقول فِي الغضب إلا كما يقول فِي الرضى، قَالَ النوويّ فِي حديث اللقطة: فيه جواز الفتوى فِي حال الغضب، وكذلك الحكم وينفذ، ولكنه مع الكراهة فِي حقنا, ولا يكره فِي حقه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا يُخاف عليه فِي الغضب ما يخاف عَلَى غيره، وأبعد منْ قَالَ: يُحمل عَلَى أنه تكلم فِي الحكم قبل وصوله فِي الغضب إلى تغير الفكر. ويؤخذ منْ