(عَنْ أَبِي مُوسَى) رضي الله تعالى عنه (أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي دَابَّةٍ) أي ملكها، بأن ادّعى كلّ منهما أنها ملكه. ولفظ أبي داود:"أن رجلين ادّعيا بعيرًا، أو دابّة"(لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ) قَالَ فِي "فتح الودود": أي بعينه، بل لهما، أو لا بيّنة أصلاً. انتهى "عون المعبود" ١٠/ ٢٩. وَقَالَ السنديّ: كناية عن عدم رجحان أحدهما عَلَى الآخر بأن لا تكون فِي يد أحدهما، أو تكون فِي يدهما جميعًا. انتهى (فَقَضَى بَهِا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ) قسمها بينهما نصفين. قَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: يُشبه أن يكون هَذَا البعير، أو الدّابّة كَانَ فِي أيديهما معًا، فجعله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بينهما؛ لاستوائهما فِي الملك باليد، ولولا ذلك لم يكونا بنفس الدعوى يستحقّانه لو كَانَ الشيء فِي يد غيرهما. انتهى. قَالَ القاري: أو فِي يد ثالث، غير منازع لهما. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي موسى الأشعريّ رضي الله تعالى عنه هَذَا صحيح، وَقَالَ المصنّف رحمه الله تعالى فِي "الكبرى" ٣/ ٤٨٧ بعد أن أخرجه: ما نصه: قَالَ أبو عبد الرحمن: إسناد هَذَا الْحَدِيث جيّد. انتهى.
[فإن قلت]: كيف يصحّ، وفيه عنعنة سعيد، وقتادة، وهما مدلّسان؟.
[قلت]: لم ينفرد به سعيد، بل تابعه شعبة، وهو لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما صرّحوا بسماعه، فقد أخرج الْحَدِيث الإِمام أحمد رحمه الله تعالى فِي "مسنده" ٤/ ٤٠٢ فَقَالَ: حدّثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبي بردة، عن أبيه:"أن رجلين اختصما إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فِي دابّة، ليس لواحد منهما بيّنة، فجعله بينهما نصفين". والله تعالى أعلم.
[تنبيه]: ضعّف الشيخ الألبانيّ هَذَا الْحَدِيث، فأرده فِي "ضعيف سنن النسائيّ" ص ٢٣٦، وفي كتابه "إرواء الغليل" ٨/ ٢٧٣، وأعله بالاضطراب سندًّا ومتنًا، لكن الذي يظهر لي أن سند المصنّف صحيح، كما أشار إليه المصنّف فِي كلامه السابق؛ فقد اتفق شعبة وسعيد بن أبي عروبة عَلَى وصله، وأما الاختلاف فِي متنه، فيرجّح ما اتفقا عليه أيضًا. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: