شعبة، وعبد الملك كوفيّ، والباقيان مدنيان، وفيه رواية تابعيّ، عن تابعيّ: عبد الملك عن مصعب، وهو منْ رواية الأقران، وفيه رواية الابن عن أبيه، وفيه أن صحابيه أحد العشرة المبشّرين بالجنة، وآخر منْ مات منهم، وأول منْ رمى بسهم فِي سبيل الله تعالى. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عن مُصْعَبَ بْنَ سَعْدٍ، عَنْ أَبيهِ) سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- (قَالَ) أي مصعب (كَانَ) أي سعد -رضي الله عنه- (يُعَلِّمُنَا خَمْسًا) أَي خمس كلمات، أو دعوات (كَانَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَدْعُو بِهنَّ) أي بهؤلاء الكلمات. وقوله:(وَيَقُولُهُنَّ) تأكيد لما قبله (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ) بضم، فسكون، أو بضمتين: وهو يشمل عدم النفع بالمال، أو العلم، أو غيرهما، ولو بالنصيحة (وَأَعُوذُ بكَ مِنَ الْجُبْنِ) بضم، فسكون، أو بضمّتين: أي البخل فِي النفس، وعدم الجراءة عَلَى الَطاعة، وإنما تعوذ منه؛ لأنه يؤدّي إلى عذاب الآخرة؛ لأنه يفرّ منْ الزحف، وهو منْ الكبائر التي جاء بها الوعيد الشديد فِي قوله عز وجل:{وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[الأنفال: ١٦]، وربما يُفتن عن دينه، فيرتدّ؟ لجبن أدركه، وخوف عَلَى مهجته منْ الأسر والعبودية، فقد خسر خسرانًا مبينًا.
قَالَ الطيبيّ رحمه الله تعالى: الجود إما بالنفس، وهو الشجاعة، ويقابله الجبن، وإما بالمال، وهو السخاء، ويقابله البخل، ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا فِي نفس كاملة، ولا ينعدمان إلا منْ متناه فِي النقص. انتهى ذكره فِي "تحفة الأحوذيّ" ١٠/ ١٢.
(وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) بضم الميم، وسكونها لغتان، وفي رواية:"منْ أن أُردّ" بزيادة "منْ"، قَالَ العينيّ: أي منْ الردّ، وكلمة "أن" مصدريّة. وأرذل العمر: هو الخرف، يعني يعود كهيئته الأولى فِي أوان الطفولية، ضعيف البنية، سخيف العقل، قليل الفهم. ويقال: أرذل العمر: أردؤه، وهو حالة الهرم والضعف عن أداء الفرائض، وعن خدمة نفسه فيما يتنظف فيه، فيكون كَلّا عَلَى أهله، ثقيلًا بينهم، يتمنّون موته، فإن لم يكن له أهل، فالمصيبة أعظم.
(وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا) بأن تتزين له، وتغرّه، وتُنسيه الآخرة، ويأخذ منها زيادة عَلَى قدر الحاجة. (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ") أي منْ موجبات عذابه. وذكر فِي "الفتح" ١٢/ ٤٧٢ عن يحيى بن أبي كثير، أنه قَالَ: قَالَ شعبة: فسألت عبد الملك بن عمير عن فتنة الدنيا، فَقَالَ: الدجّال. قَالَ: وفي إطلاق الدنيا عَلَى الدجال إشارة إلى أن فتنته أعظم الفتن الكائنة فِي الدنيا، وَقَدْ ورد ذلك صريحًا فِي حديث أبي أُمامة، قَالَ: