المذكورات، وقوله:(وَزَكِّهَا) أي طهّرها (أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا) دلّ عَلَى أن إسناد التزكية إلى النفس فِي الآية هو نسبة الكسب إلى العبد، لا خلق الفعل له، كما زعمت المعتزلة؛ لأن الخيريّة تقتضي المشاركة بين كسب العبد، وخلق القدرة فيه. وأما قول ابن حجر: ولا يلزم منْ مقابلة التقوى للفجور قصرها عَلَى ضدّ الفجور، خلافًا لمن توهّمه. فمكابرة؛ لأن المقابلة صحيحة. ذكره القاري فِي "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ٥/ ٣١٦.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ابن حجر هَذَا هو أحمد بن محمد الْهَيتميّ الشافعيّ المتوفّى سنة (٩٧٤ هـ)، وليس هو الحافظ العسقلانيّ أحمد بن عليّ المتوفّى سنة (٨٥٢ هـ) صاحب "فتح الباري" الذي يتردّد النقل عنه فِي هَذَا الشرح، فتفطّن. والله تعالى أعلم.
(أَنْتَ وَلِيُّهَا) أي ناصرها، هَذَا راجع إلى قوله:"آت نفسي تقواها"، كأنه يقول: انصرها عَلَى فعل ما يكون سببا لرضاك عنها؛ لأنك ناصرها (وَمَوْلَاهَا) هَذَا راجع إلى قوله: "زكّها": يعني طهّرها بتأديبك إياها، كما يؤدّب المولى عبده.
وَقَالَ الطيبيّ:"أنت وليها، ومولاها" استئناف عَلَى بيان الموجب، وأن إيتاء التقوى، وتحصيل التزكية فيها إنما كَانَ لأنه هو متولي أمورها، ومالكها، فالتزكية إن حُملت عَلَى تطهير النفس عن الأفعال، والأقوال، والأخلاق الذميمة، كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهر ما كَانَ مكمنا فِي الباطن، وإن حُملت عَلَى الإنماء، والإعلاء بالتقوى، كانت تحلية بعد التخلية؛ لأن المتّقي شرعاً منْ اجتنب النواهي، وأتى بالأوامر. قاله فِي "المرقاة" ٥/ ٣١٦ - ٣١٧.
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ) أي لا يسكن، ولا يطمئنّ بذكر الله تعالى (وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ) بما آتاها الله تعالى، ولا تقنع بما رزقها (وَعِلْمٍ لَا يَنْفَعُ) أي لعدم العمل به، وتعليمه للناس، وعدم تهذيبه الأخلاق (وَدَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا) قَالَ الطيبيّ: الضمير فِي "لها" عائد عَلَى الدعوة، واللام زائدة. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث زيد بن أرقم رضي الله تعالى عنه هَذَا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -١٣/ ٥٤٦٠ و٦٥/ ٥٥٤٠ - وفي "الكبرى" ١٤/ ٧٨٩٥. وأخرجه (م)