العرب عَلَى معنى العشيّ. وَقَالَ بعضهم: العشيّة واحدةٌ، جمعها عشيّ. قاله الفيّوميّ (فَإِذَا أَصْبَحْنَا) أي دخلنا وقت الصباح (شَرِبْنَا) أي فهل هَذَا جائز، أم لا؟ (قَالَ) ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أَنْهَاكَ عَنِ الْمُسْكِرِ) أي عن شربه (قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ) بالجرّ عَلَى البدليّة (وَأُشْهِدُ اللهَ عَلَيْكَ) منْ الإشهاد: أي أجعل الله تعالى شاهدا عليك عَلَى أني (أَنْهَاكَ عَنِ الْمُسْكِرِ) أي عن شربه (قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَأُشْهِدُ اللهَ عَلَيْكَ، أَنَّ أَهْلَ خَيْبَرَ) الظاهر أن همزة "أن" هنا وفي قوله: "أن أهل فدك" مفتوحة؛ لأنها وقعت موقع المصدر، والتقدير وأشهد الله عليك عَلَى أن أهل خيبر الخ. و"خيبر": هي البلدة المعروفة، بينها وبين مدينة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نحو ثلاثة أيام (يَنْتَبذُونَ شَرَابًا مِنْ كَذَا وَكَذَا، وَيُسَمُّونَهُ كَذَا وَكَذَا) بغير اسم الخمر (وَهِيَ الْخَمْرُ، وَإِنَّ أَهْلَ فَدَكِ) بفتحتين: بلدة بينها وبين المدينة يومان، وبينها وبين خيبر دون مرحلة، وهي مما أفاء الله عَلَى رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وتنازعها عليّ والعبّاس فِي خلافة عمر -رضي الله عنهم-، فَقَالَ عليّ: جعلها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لفاطمة، وولدها، وأنكره العبّاس، فسلّمها عمر لهما. قاله الفيّوميّ (يَنْتَبِذُونَ شَرَابًا مِنْ كَذَا وَكَذَا، يُسَمُّونَهُ كَذَا وَكَذَا، وَهِيَ الْخَمرُ، حَتَّى عَدَّ) ابن عمر رضي الله تعالى عنهما (أَشْرِبَةً) بفتح أوله، وكسر ثالثه: جمع شراب (أَرْبَعَةً) بالنصب صفة لـ"أشربة"(أَحَدُهَا الْعَسَلُ) وغرض ابن عمر رضي الله تعالى عنهما بهذا أن النَّاس لهم عادات فِي الانتباذ، كلّ أهل بلد لهم نوع خاصّ ينتبذون منه، ويسمون باسم معين، وكلها منْ جملة الخمر المحرّمة؛ لكونها مسكرة.
والحاصل أنه -رضي الله عنه- حذّره، ونبّهه عَلَى أن لا يشرب مسكرًا، متعللاً بأن النَّاس لا يسمون الخمر إلا ما يُعصر منْ العنب، فإن الخمر يعمّ كلّ نوع أسكر. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
والحديث صحيح، وهو منْ أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، أخرجه هنا -٢١/ ٥٥٨٣ - وفي "الكبرى" ٢٢/ ٥٠٩١. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".