وأبي كعب، وأبي طلحة، كل هؤلاء لم يتوضئوا منه. نقله البيهقي- ١/ ١٥٥.
وقد روى كثير من الصحابة حديث الأمر بالوضوء مما مست النار، وروى غيرهم أحاديث الرخصة في ذلك، ولكن الذي كان يجادل منهم في المسألة أبو هريرة، وابن عباس، فالأول يشدد في الوجوب، والثاني يشدد في بيان الرخصة، وكل منهما يرد على صاحبه، ومع هذا فإن أبا هريرة روى أيضا حديث الرخصة، ورد ذلك عنه بإسناد صحيح، فقد روى أحمد -٢/ ٣٨٩ حديثا عن عفان، عن وهيب، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، ثم قال: وبهذا الاسناد: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل كتفا شاة فمضمض، وغسل يده، وصلى" وهذا إسناد صحيح.
وقد روى الطيالسي أيضا حديث الرخصة هذا برقم -٢٤١١ - ، ورواه غيرهما كذلك. فيظهر من هذا أن أبا هريرة سمع الحديثين من غيره من الصحابة، ولعل إصراره علي التشديد في الوجوب لإضطراب الروايتين عنده وعدم يقينه برجحان النسخ، أو لعله رأى الوضوء وسمع الأمر به، ولم يشاهد الحديث الآخر بل سمعه سماعا فلم يطمئن قلبه إلى ترك ما رآه بنفسه.
وأصرح من كل هذا في النسخ حديث جابر قال:"كان آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الوضوء مما مست النار". وهو حديث صحيح رواه أبو داود-١/ ١٥٦ - والنسائي ١/ ٤٠، وابن الجارود ص ٢١ - ٢٢، والبيهقي-١٥٥ - ١٥٦ - كلهم من طريق شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر، عن جابر. وهو حديث صحيح ليس في إسناده مطعن، وليست له علة. وقد أعله بعض الحفاظ بما لا يصلح تعليلا، فقال أبو حاتم فيما رواه عنه ابنه في العلل رقم ١٦٨ - : هذا حديث مضطرب المتن