ثم إن التأويل الذي ذهب إليه أبو داود بإختصار حديث شعيب من الحديث الآخر، بمعنى أن المراد من آخر الأمرين آخر الفعلين في الواقعة الواحدة المعينة يرده ما نقلنا عن المسند رقم ١٥٠٨٠ - من طريق محمد بن إسحاق، عن ابن عقيل فإن فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أكل هو ومن معه، ثم بال، ثم توضأ للظهر، وأنه أكل بعد ذلك هو ومن معه، ثم صلوا العصر ولم يتوضئوا. فهذا يدل دلالة واضحة على أن الوضوء الأول كان للحدث، وليس من أكل ما مست النار حتى يصح أن يسمى الفعل الثاني بأكله، ثم صلاته من غير أن يتوضأ آخر الأمرين، لأنهما فعلان ليسا من نوع واحد، وأرى أن هذه الرواية قاطعة في نفي التأويل الذي ذهب إليه أبو داود. والحمد لله. اهـ كلام العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله.
قال الجامع عفا الله عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الراجح فيها قول من قال بعدم الوجوب إلا في لحم الإبل، لنسخ الأحاديث الدالة على الإيجاب، ومن أقوى الأدلة على ذلك قول جابر رضي الله عنه الذكور، فإنه من أهل اللسان يعرف الناسخ والمنسوخ، فإخباره بذلك لا يكون إلا عن علم ويقين.
ويدل عليه أيضا إجماع الخلفاء الراشدين عليه.
وأما دعوى الخصوصية كما مال إليه الشوكاني فغير صحيح لما تقدم أنه أقرّ الصحابة عليه.
وأما الاستدلال بحديث "أكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كتف شاة ولم يتوضأ" ونحو ذلك فقد عارضه أبو محمد بن حزم رحمه الله في المحلى ج ١/ ص ٢٤٤ - : بقوله: إنه لا حجة لمن قال بذلك لأن أحاديث إيجاب الوضوء هى الواردة بالحكم الزائد على هذه التي هى موافقة لما كان عليه الناس قبل ورود الأمر بالوضوء مما مست النار، ولولا حديث شعيب بن