للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما مالك فلم يعرف الفرك، وقال: إن العمل عندهم على وجوب الغسل كسائر النجاسات، وحديث الفرك حجة عليهم، وحمل بعض أصحابه الفرك على الدلك بالماء، وهو مردود بما في إحدى روايات مسلم عن عائشة: "لقد رأيتني، وإني لأحكه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يابسا بظفري" وبما صححه الترمذي من حديث همام بن الحارث أن عائشة أنكرت على ضيفها غسله الثوب، فقالت: لم أفسد علينا ثوبنا؟ إنما كان يكفيه أن يفرك بأصابعه، فربما فركته من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصابعي".

وقال بعضهم: الثوب الذي اكتفت فيه بالفرك ثوب النوم، والثوب الذي غسلته ثوب الصلاة. وهو مردود أيضا بما في إحدى الروايات من حديثها أيضا: "لقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركا فيصلي فيه" وهذا التعقيب بالفاء ينفي احتمال تخلل الغسل بين الفرك والصلاة، وأصرح منه رواية ابن خزيمة "أنها كانت تحكه من ثوبه - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي".

وعلى تقدير عدم ورود شيء من ذلك، فليس في قولها: "كنت أغسل الجنابة من ثوبه، ما يدل على نجاسة المني؛ لأن غسلها فعل، وهو لا يدل على الوجوب بمجرده.

وطعن بعضهم في الاستدلال بحديث الفرك على طهارة المني بأن مني النبي - صلى الله عليه وسلم - طاهر دون غيره كسائر فضلاته.

والجواب على تقدير صحة كونه من الخصائص أن منيه كان عن جماع، فيخالط مني المرأة، فلو كان منها نجسا، لم يكتف فيه بالفرك، وبهذا احتج الشيخ الموفق وغيره على طهارة رطوبة فرجها، قال: ومن قال: إن المني لا يسلم من المذي فيتنجس به لم يُصبْ, لأن الشهوة إذا اشتدت خرج المني دون المذي والبول كحالة الاحتلام والله أعلم. انتهى كلام الحافظ (١).


(١) فتح جـ ١ ص ٣٩٧ - ٣٩٨.