وكان عبد الرحمن بن مهدي يقول: الصفرة والكدرة إذا كانت واصلة بالحيض بقية من الحيض، لا تصلي حتى ترى الطهر الأبيض.
وفرق بعضهم بين الصفرة والكدرة تراه المرأة ثم ترى دما، وبين أن ترى الدم، ثم ترى بعد ذلك متصلا به صفرة، أو كدرة، فقال: إذا رأت كدرة، أو صفرة قبل أن ترى قبلها لم يُعْتَدّ به، وإنما الدم الذي يُعْتَدُّ به ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة"، والصفرة والكدرة في آخر الدم من الدم, لأنه الدم إذا كان دما سائلا كان حكمه حكم الدم حتى ترى النَّقَاء، هذا قول أبي ثور، وحسنه ابن المنذر.
قال ابن المنذر: وقد روينا عن غير واحد أنهم كانوا لا يعدون الكدرة والصفرة بعد الاغتسال، وخروج أيام الحيض شيئا، ولا يرون ترك الصلاة لذلك، ورأى أكثرهم أن عليها الوضوء، وروينا عن علي بن أبي
طالب أنه قال: إذا رأت المرأة بعد الطهر ما يريبها مثل غُسالة اللحم، أو مثل غسالة السمك، أو مثل القطرة من الرعاف، فإنما ذلك رَكْضَة من ركضات الشيطان في الرَّحم، فلتنتضح بالماء، ولتوضأ ولتصلي. وقالت أم عطية: كنا لا نعد الترية (١) شيئًا الكدرة والصفرة بعد الغسل.
قال: وممن كان يقول في المرأة ترى الصفرة بعد الطهر تتوضأ وتصلي: النخعي وحماد، وقال عطاء: كذلك إذا رأت ذلك في غير وقت حيضة، وكان سفيان الثوري يقول في الصفرة تراها بعد أيام حيضها: يكفيها منه الوضوء، وبه قال عبد الرحمن بن مهدي، والأوزاعي، وكان سعيد بن المسيب يقول: تغتسل وتصلي، وبه قال أحمد بن حنبل. وحكي عن النعمان قال: إذا رأت بعد الحيض وبعد
(١) الترية: الشيء الخفي اليسير، وهو أقل من الصفرة والكدرة، ولا تكون الترية إلا بعد الاغتسال. غريب الحديث لأبي عبيد جـ ١ ص ٢٧٨ من هامش الأوسط جـ ٢ ص ٢٣٦.