والظاهر أن المراد بغسل الذراع غسل كل اليد، فيغسل الكفين أيضا (ثلاثا ثلاثا) أي غَسَلَ كلَّ واحد من وجهه وذراعيه ثلاث مرات، وفيه استحباب التثليث في وضوء الغسل (حتى إذا بلغ رأسه) أي مَسْحَ رأسه (لم يمسح، و) لكن (أفرغ عليه) أي صب على رأسه (الماء) وهذا محل الترجمة، ففيه بيان أنه لا يشرع مسح الرأس في الوضوء للغسل، اكتفاء بصب الماء عليه، ولكن سبق أنه كان يتوضأ وضوءه للصلاة، فإما أن يقال: ذاك عموم يُخَصُّ بهذا، أو يقال: لعله تارة يفعل هذا، وتارة ذلك لبيان الجواز، وفيه أن المسح يحصل في ضمن الغسل، وأن الضمني كاف في سقوط التكليف، وعلى هذا لو فرض أن الواجب مسح الرجلين، كما تقول الرافضة، فهو يتأدى بغسلهما دون العكس، فالغسل أحوط والله أعلم، قاله السندي رحمه الله جـ ١ ص ٢٠٦.
قال الجامع عفا الله عنه: الأولى حمله على اختلاف الأوقات، فتارة عمل بهذا، وتارة بهذا، لبيان الجواز. ويؤيد هذا العمل ما في الرواية الأخرى في حديث ميمونة رضي الله عنها "يتوضأ وضوءه للصلاة غير رجليه" الحديث، فإن ظاهره أنه ما ترك مسح الرأس وإلا لاستثنته كما استثنت غسل الرجلين، فدل على أنه كان يمسح الرأس في بعض الأوقات. والله أعلم.
(فهكذا كان غسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيما ذكر) بالبناء للمفعول، أي فيما ذكر الصحابة الذين شهدوا غسله كعائشة، وغيرها.
والظاهر أن قوله:"فهكذا" الخ من قول بعض الرواة غير عائشة، وليس من كلامها, لقوله:"فيما ذكر".