"المسألة الثالثة" قال الحافظ العراقي: ذكر بعض الشافعية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له شعر تحت إبطه، لحديث أنس المتفق عليه:"أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه"، وفي الصحيحين أيضا من حديث عبد الله ابن بحينة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صَلَّى فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" وقال الشيخ جمال الدين الإسنوي في المهمات إن بياض الإبط كان من خواصه، فورد التعبير بذلك في حقه، فأطلق على غيره ذهولا، قال: وأما إبط غيره فأسود، لما فيه من الشعر. انتهى.
وما ادعاه من كون هذا من الخصائص فيه نظر، إذ لم يثبت ذلك بوجه من الوجوه، بل لم يرد ذلك في شيء من الكتب المعتمدة، والخصائص لا تثبت بالاحتمال، ولا يلزم من ذكر أنس وغيره بياض إبطيه أن لا يكون له شعر، فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض، وإن بقي فيه آثار الشعر، ولذلك ورد في حديث عبد الله بن أقرم الخزاعي أنه صلى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقاع من نمرة، فقال:"كنت انظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد". أخرجه الترمذي وحسنه، والنسائي، وابن ماجه، فذكر الهروي في الغريبين وابن الأثير في النهاية أن العفرة بياض ليس بالناصع، ولكن كلون عفر الأرض، وهو وجهها، وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي جعل المكان أعفر، وإلا فلو كان خاليا من نبات الشعر جملة لم يكن أعفر، وإطلاق بياض الإبطين في حق غيره - صلى الله عليه وسلم - موجود في كلام جمع كثير من الفقهاء، ولا إنكار فيه؛ لأن الإبط لا تناله الشمس في السفر والحر فيغير لونه كسائر الجسد الذي لا يبدو للشمس، نعم الذي نعتقد فيه - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة: بل كان نظيفا طيب الرائحة كما ثبت في الصحيحين من حديث أنس: "ما شممت عنبرا قط ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"