سبق في الحديث أن إعفاء اللحية من الفطرة فالإعفاء بالمد قال الخطابي وغيره: هو توفيرها وتركها بلا قص، كره لنا قصها كفعل الأعاجم، قال: وكان من زيّ كسرى قص اللحى، وتوفير الشوارب، قال الغزالي في الإحياء: اختلف السلف فيما طال من اللحية؟ فقيل: لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة فعله ابن عمر، ثم جماعة من التابعين، واستحسنه الشعبي، وابن سيرين، وكرهه الحسن، وقتادة، وقالوا: يتركها عافية، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "وأعفوا اللحى" قال الغزالي: والأمر في هذا قريب إذا لم ينته إلى تقصيصها، لأن الطول المفرط قد يشوه الخلقة. هذا كلام الغزالي. قال النووي: والصحيح كراهة الأخذ منها مطلقا، بل يتركها على حالها، كيف كانت، للحديث الصحيح "وأعفوا اللحى"، وأما حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأخذ من لحيته في عرضها وطولها. فرواه الترمذي بإسناد ضعيف لا يحتج به.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي صححه النووي رحمه الله مخالفا للغزالي هو عين التحقيق، من هذا المحقق الوثيق. والله أعلم.
قال النووي: أما المرأة إذا نبت لها لحية فيستحب حلقها صرح به القاضي حسين وغيره. وكذا الشارب والعَنْفَقَة (١) لها، هذا مذهبنا، وقال محمَّد بن جرير: لا يجوز لها حلق شيء من ذلك ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص.
قال الجامع: ما رأيت لمدعي الاستحباب، ولا لمدعي عدم الجواز
(١) العنفقة: بفتح العين وسكون النون وفتح الفاء والقاف: شُعَيرات بين الشفة السفلى والذقن، أفاده في "ق" ص ١١٧٨ طبعة مؤسسة الرسالة.