قوله - صلى الله عليه وسلم -: "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها". قال: وهذا لا دليل فيه على ما ذهبوا إليه؛ لأنه إنما أراد به ذم الدنيا والزهد فيها، والترغيب في الآخرة، فأخبر أن اليسير من الجنة خير من الدنيا كلها، وأراد بذكر السوط -والله أعلم- التقليل، لا أنه أراد موضع السوط بعينه، بل موضع نصف سوط، وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية، ثم قال: ولا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه، ولا يجوز تفضيل شيء من البقاع على شيء إلا بخبر يجب التسليم له، ثم ذكر حديث ابن حمراء المتقدم، وقال: كيف يترك مثل هذا النص الثابت، ويمال إلى تأويل لا يجامع متأوله عليه. انتهى. طرح جـ ٦ ص ٤٩ - ٥٠.
وقد أشبع الكلام الإمام المجتهد البارع أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى في كتابه المحلى ناصرًا رأي الجمهور في تفضيل مكة على المدينة، ومُفَنِّدًا رأي القائلين بالعكس، وناقضًا لما تمسكوا به، بما لا تجده في كتاب غيره. انظر "المحلى" جـ ٧ ص ٢٧٩٢٩. والله تعالى أعلم.
المسألة الثامنة: استثنى القاضي عياض من القول بتفضيل مكة البقعة التي دفن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -، وضمت أعضاءه الشريفة، وحكى اتفاق العلماء على أنها أفضل بقاع الأرض.
وقال النووي في "شرح المهذب": ولم أر لأصحابنا تعرضًا لما نقله قال ابن عبد البر. وتعقب على القاضي بأن هذا لا يتعلق بالبحث