فالجواب أن ذلك محمول عند العلماء على أداء حقوق الله تعالى وسياسة ملكه، وترتيب منازل خلقه، وإقامة حدوده، والمحافظة على رسومه، وتعظيم شعائره، وظهور عبادته, ولزوم طاعته، ونظم قانون الحكم النافذ عليهم منه، وتحقيق الوعد في أنه يعلم ما لا يعلم أحد من خلقه، حسب ما صرح بذلك لملائكته، فقال:{قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٣٠].
وحوشي سليمان عليه السلام أن يكون سؤاله طلبًا لنفس الدنيا, لأنه هو والأنبياء أزهد خلق الله فيها، وإنما سأل مملكتها لله، كما سأل نوح دمارها وهلاكها لله؛ فكانا محمودين مجابين إلى ذلك، فأجيب نوح، فأهلك من عليها، وأعطي سليمان المملكة.
وقد قيل: إن ذلك كان بأمر من الله عز وجل على الصفة التي علم الله أنه لا يضبطه إلا هو وحده، دون سائر عباده، أو أراد أن يكون ملكًا عظيمًا، فقال:{لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي}[ص: ٣٥]، وهذا فيه نظر، والأول أصح.
ثم قال له: {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٩)} [ص: ٣٩]، وهذا يرد ما روي في الخبر: إن آخر الأنبياء دخولًا الجنة سليمان بن داود عليهما السلام لمكان ملكه في الدنيا، وفي بعض الأخبار:"يدخل الجنة بعد الأنبياء بأربعين خريفًا"، ذكره صاحب القوت، وهو حديث لا أصل له؛ لأنه سبحانه إذا كان عطاؤه لا تبعة فيه؛ لأنه من