يعذبان في البول والنميمة"، قال أبو موسى: هذا وإن كان ليس بقوي لكن معناه صحيح، لأنهما لو كانا مسلمين لما كان لشفاعته إلى أن تيبس الجريدتان معنى ولكنه لما رآهما يعذبان لم يستجز للطفه وعطفه حرمانهما من إحسانه، فشفع لهما إلى المدة المذكورة.
وجزم ابن العطار في شرح العمدة بأنهما كانا مسلمين، وقال: لا يجوز أن يقال: إنهما كانا كافرين لأنهما لو كانا كافرين لم يدع لهما بتخفيف العذاب ولا ترجَّاه لهما ولو كان ذلك من خصائصه لبينه يعني كما في قصة أبي طالب.
قال الحافظ: قلت: وما قاله أخيرا هو الجواب، وما طالب به من البيان قد حصل، ولا يلزم التنصيص على لفظ الخصوصية، لكن الحديث الذي احتج له أبو موسى ضعيف كما اعترف به، وقد رواه أحمد بإسناد صحيح على شرط مسلم وليس فيه سبب التعذيب فهو من تخليط ابن لهيعة، وهو مطابق لحديث جابر الطويل الذي قدمناه أن مسلما أخرجه واحتمال كونهما كافرين فيه ظاهر.
وأما حديث الباب فالظاهر من مجموع طرقه أنهما كانا مسلمين، ففي رواية ابن ماجه "مرَّ بقبرين جديدين" فانتفى كونهما في الجاهلية، وفي حديث أبي أمامة عند أحمد "أنه - صلى الله عليه وسلم - مر بالبقيع فقال من دفنتم اليوم هنا" فهذا يدل على أنهما كانا مسلمين لأن البقيع مقبرة المسلمين والخطاب للمسلمين، مع جريان العادة بأن كل فريق يتولاه مَنْ هو منهم، ويقوي كونهما كانا مسلمين رواية أبي بكرة عند أحمد، والطبراني بإسناد صحيح "يعذبان وما يعذبان في كبير، بلى وما يعذبان إلا في الغيبة والبول" فهذا الحصر ينفي كونهما كانا كافرين لأن الكافر وإن عذب على ترك أحكام الإسلام فإنه يعذب مع ذلك على الكفر بلا خلاف اهـ فتح جـ ١/ ص ٣٨٤.