وقال أبو محمد بن حزم رحمه الله تعالى: ودخول المشركين في جميع المساجد جائز، حاشا حرم مكة كله، والمسجد وغيره، فلا يحل البتة أن يدخله كافر، وهو قول الشافعي، وأبي سليمان. وقال أبو حنيفة: لا بأس أن يدخله اليهودي والنصراني، ومنع سائر الأديان. وكره مالك دخول أحد من الكفار في شيء من المساجد. قال الله تعالى:{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا}[التوبة: ٢٨]، فخص الله المسجد الحرام، فلا يجوز تعديه إلى غيره بغير نص، وقد كان الحرم قبل بنيان المسجد، وقد زيد فيه، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جعلت لي الأرض مسجداً وطهورًا"، فصح أن الحرم كله هو المسجد الحرام، ثم ذكر حديث قصة ثمامة المذكور.
وقال أبو محمد رحمه الله تعالى: وأما أبو حنيفة فإنه قال: إن الله تعالى قد فرق بين المشركين، وبين سائر الكفار، فقال تعالى:{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ}[البينة: ١]. وقال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ}[الحج: ١٧]، قال: والمشرك هو من جعل لله شريكًا لا من لم يجعل له شريكًا.
قال: فأما تعلقه بالآيتين فلا حجة له فيهما؛ لأن الله تعالى قال: {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨)} [الرحمن: ٦٨]، والرمان من الفاكهة.