فقد صرح بُسْرٌ بسماعه من أبي إدريس، كما في المسند، والمحلَّى، ومن واثلة كما في "المسند" وأبي داود جـ ٣ ص ٢١٧، فظهر صحة الطريقين، وهذا أولى من تخطئة ابن المبارك الإمام الجبل في الحفظ. والله أعلم.
المسألة الرابعة: في حكم الصلاة إلى المقبرة، ومثله الصلاة فيها، وعليها:
وقد اختلف أهل العلم في ذلك، فذهب أحمد رحمه الله إلى تحريم الصلاة في المقبرة، ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها، ولا بين أن يفرش عليها شيئاً يقيه من النجاسة، أم لا، ولا بين أن يكون في القبور، أو في مكان منفرد عنها كالبيت، وإلى ذلك ذهبت الظاهرية، ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار. قال أبو محمد بن حزم رحمه الله: وبه يقول طوائف من السلف، روينا عن نافع بن جبير بن مطعم أنه قال: ينهى أن يصلى وسط القبور، والحمام، والحُشّان (١).
وعن ابن عباس قال: لا تصلين إلى حش، ولا في حمام، ولا في مقبرة. وعن إبراهيم النخعي، قال: كانوا يكرهون أن يتخذوا ثلاث أبيات قبلة: الحش، والحمام، والقبر. وعن العلاء بن زياد، عن أبيه، وعن خيثمة بن عبد الرحمن أنهما قالا: لا تصل إلى حمام، ولا إلى
(١) بالضم والكسر جمع حش -بالفتح، والضم: النخل المجتمع، أو البستان، والمراد محل قضاء الحاجة.