ذلك، ولا تفاوضوا فيه. قال: وهذا قول جمهور أهل السنة. واستدل من قال: إنه نص على خلافة أبي بكر، بأصول كلية، وقرائن حالية تقتضي أنه أحق بالإمامة، وأولى بالخلافة. والله تعالى أعلم.
المسألة الثالثة: قد ذكر الحافظ أبو عمر بن عبد البر رحمه الله تعالى في كتابه "التمهيد" بحثاً نفيساً في بيان استخلاف أبي بكر رضي الله عنه، أحببت إيراده هنا لنفاسته، قال رحمه الله تعالى:
لَمّا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أبا بكر يصلي بالناس"، في مرضه الذي توفي فيه، واستخلفه على الصلاة، وهي عُظْمُ الدين، وكانت إليه لا يجوز أن يتقدم إليها أحد بحضرته -صلى الله عليه وسلم-، فلما مرض استخلف عليها أبا بكر، والصحابة متوافرون، منهم علي، وعمر، وعثمان، رضي الله عنهم، استدل المسلمون بذلك على فضل أبي بكر، وعلى أنه أحق بالخلافة بعدُ، وعلموا ذلك، فارتضوا لدنياهم، وإمامتهم، وخلافتهم من ارتضاه لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأجل دينهم؛ وذلك إمامتهم في صلاتهم، ولم يكن يمنع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن يصرح بخلافة أبي بكر بعده -والله أعلم- إلا أنه كان لا ينطق في دين الله بهواه، ولا ينطق إلا بما يوحى إليه فيه.
قال الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: ٣، ٤] ولم يكن يوحى إليه في الخلافة شيء، وكان لا