فأراد تطبيقه في تصنيفه هو في السنن، والظاهر أنه فاتته هذه النكتة عند تصنيفه السنن الكبرى، فأراد التزامها حيث عزم على تصنيفه المجتبى، بل لا يبعد أن يكون مثل هذا الالتزام هو مما حمله على هذا الانتقاء ليجوده ويحسنه في ترتيبه وأسلوبه.
ومن أبرز أمثلته أنه لما جمع السنن الكبرى بدأ بكتاب الطهارة فترجم له بقوله:
"وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة"، وأورد فيها حديث غسل اليدين عند الاستيقاظ تنبيها على أن الطهارة تبدأ بغسل اليدين.
فلما صنف المجتبى فيما بعد بدأ بترجمة من آية من القرآن، هي جامعة لبيان الوضوء والغسل والتيمم، وهي آية المائدة، فقال: تأويل قوله عز وجل {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة: ٦]. وهذا كما ذكر العلامة أبو الحسن محمَّد بن عبد الهادي السندي محشي سنن النسائي، فقال في شرح هذه الترجمة: يريد رحمه الله تعالى أن تمام ما يذكر في كتاب الطهارة في هذا الكتاب بمنزلة باب الطهارة، أو كتاب الطهارة في غيره، وتمام الأبواب المذكورة في الطهارة داخلة في هذه الترجمة اهـ. قلت: ولهذا لم يصدر هذا الكتاب بعنوان كتاب الطهارة، اكتفاء بهذه الترجمة الوافية الشاملة.
وللمصنف في صنيعه هذا أسوة حسنة في الإمام البخاري رحمه الله المتقدم عليه، حيث بدأ كتاب الطهارة من صحيحه بقوله: كتاب الوضوء، باب ما جاء في قول الله تعالى:{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية.
ولما فرغ المصنف مما أراد انتقاءه وإضافته وتهذيبه من السنن الكبرى من كتاب الطهارة، وما ذكر من الأبواب والأحاديث كانت كلها بمنزلة البيان