"المسألة الرابعة": أن الجمهور ألحقوا بالحجر ما يقوم مقامه من كل جامد، طاهر، مزيل للعين، وليمس له حرمة ولا هو جزء من حيوان.
قال النووي في المجموع: سواء في ذلك الأحجار والأخشاب والخرق والخزف والآجر الذي لا سرجين فيه، وما أشبه ذلك، وهو مذهب العلماء كافة، إلا داود، فلم يجوّز غير الحجر، هكذا قيل،
وقال أبو الطيب: هذا ليس بصحيح عن داود، بل مذهبه الجواز.
والحجة فيه ما ثبت في حديث أبي هريرة قال اتبعت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وخرج لحاجته فقال:"ابغني أحجارا أستنفض بها، ولا تأتني بعظم، ولا روث" رواه البخاري، وغيره، وحديثه الآخر:"وليستنج بثلاثة أحجار، ونهى عن الروث والرِّمَّة" فنهيه - صلى الله عليه وسلم - عن هذين يدل على أن غير الحجر يقوم مقامه، وإلا لم يكن لتخصيصهما بالنهي معنى، وحديث ابن مسعود الذي مر قريبًا حيث إنه علل منع الاستنجاء بكونها ركسا، ولم يعلل بكونها غير حجر.
قال النووي رحمه الله: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - "وليستنج بثلاثة أحجار" وشبهه، فإنما نص علي الأحجار، لكونها الغالب الموجود للمستنجي بالقضاء، مع أنه لا مشقة فيها، ولا كلفة، في تحصيلها، وهذا نحو قوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ}[الأنعام: آية ١٥١] وقوله تعالى {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ}[النساء: آية ١٠١] ونظائر ذلك، فكل هذا مما ليس له مفهوم يُعْمل به، لخروجه على الغالب. اهـ المجموع جـ ١/ ص ١١٤.
قال الجامع عما الله عنه: هذا الذي حققه النووي رحمه الله هو التحقيق الحقيق بالقبول. والله أعلم.
"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب".