ما وقع عند مسلم وغيره أن عبد الله بن رباح راوي الحديث عن أبي قتادة ذكر أن عمران بن حصين سمعه، وهو يحدث بالحديث بطوله، فقال له: انظر كيف تحدث، فإني كنت شاهدًا لقصة، قال: فما أنكر عليه من الحديث شيئًا، فهذا يدلّ على اتحادها، لكن لمدعي التعداد أن يقول: يحتمل أن يكون عمران حضر القصتين، فحدث بإحداهما، وصدّق عبد الله بن رباح لما حدث عن أبي قتادة بالأخرى. والله أعلم.
ومما يدل على تعدد القصة اختلاف مواطنها كما قدمناه، وحاول ابن عبد البر الجمع بينهما بأن زمان رجوعهم من خيبر قريب من زمان رجوعهم من الحديبية، وأن اسم طريق مكة يصدق عليهما، ولا يخفى ما فيه عن التكلف، ورواية عبد الرزاق بتعيين غزوة تبوك ترد عليه.
وروى الطبراني من حديث عمرو بن أمية شبيهًا لقصة عمران، وفيه أن الذي كلأ لهم الفجر ذو مِخْبَر -وهو بكسر الميم، وسكون الخاء المعجمة، وفتح الموحدة- وأخرجه من طريق ذي مخبر أيضًا، وأصله عند أبي داود، وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن بلالاً هو الذي كلأ لهم الفجر، وذكر فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان أولهم استيقاظًا، كما في قصة أبي قتادة. ولابن حبان في "صحيحه" من حديث ابن مسعود أنه كلأ لهم الفجر، وهذا أيضًا يدلّ على تعدد القصة. والله أعلم. انتهى ما في "الفتح"(١).