ثم إن هذا الخلاف بينهم إنما هو في غير الفاتحة. قال إمام القرّاء أبو الخير بن الجزري في كتاب "النشر في القراءات العشر" جـ ١ ص ٢٦٢: "إن كلًا من الفاصلين بالبسملة والواصلين والساكتين إذا ابتدؤوا سورة من السور بسمل بلا خلاف عن واحد منهم، إلا إذا ابتدأ براءة".
ثم قال:"لم يكن بينهم خلاف في إثبات البسملة أول الفاتحة، سواء وصلت بسورة الناس قبلها، أو ابتدئ بها، لأنها ولو وصلت
لفظًا، فإنها مبتدأ بها حكمًا، ولذلك كان الواصل هنا حالًا مُرْتَحِلًا".
والحق أن قراءة من قرأ بحذفها في الوصل قراءة شاذة غير صحيحة، وإن كانت من السبعة أو العشرة؛ لأن من شرط صحة القراءة موافقة رسم المصحف، كما اتفق عليه عامة القراء بغير خلاف، بل هو اتفاق جميع العلماء، وما كان الصحابة رضي الله عنهم ليزيدوا في المصاحف مائة وعشرين بسملة من غير أن تكون نزلت في المواضع التي كتبت فيها ولو شككنا في هذا لفتحنا بابًا عريضًا للملاحدة اللاعبين بالنار، وقد كان الصحابة أحرص على كتاب الله من أن يتطرق إليه شك أو وهم، ولذلك جردوا المصاحف من أسماء السور، ولم يكتبوا "آمين"، وامتنع عمر من كتابة شهادته هو وبعض كبار الصحابة بالرجم خشية أن يتوهم أنها زيادة على الكتاب، وصدع بذلك على المنبر.
وأما من أجاز قراءة الفاتحة في الصلاة بدون بسملة فإنه لا دليل له أصلًا، والأحاديث التي استدلوا بها بعضها ضعيف، وبعضها لا يدل