ومن جملة حفظ كتابه هتك من لم يقتف في نقل الآثار طريق أئمة أربابه، بل تعمّد الكذب، أو أفحش بالخطأ الموجب للتهمة والظنِّة. فإنها المبيّنة للكتاب، والمعينة لفهم الخطاب، ودفع كل بلية ومحنة. إذ هو - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى، وإنما نطقه وحيٌ يُوحى، علّمه شديد القوى، فناهيك بما أوضحه وسَنّه؛ ولأجل ذا قام الجهابذة الذين خصَّهم الله بقوة البصر والبصيرة، وأتحفهم بكل نفيسة وذخيرة، ممن أتقن كل منهم الفنون وفنّه. بإبعاد الغَثِّ عن سمينها، والمُزَلزَل عن مَكينها، فارتقوا بذلك لأعلى قصور الجنة.
ولكنهم بعد تلك الكثرة الظاهرة، والخبرة الباهرة، والأنفس الزكية المطمئنة، أخذوا في التناقص من ذلك، بحيث انفرد الوالج في هذه المسالك الدّال لها بالمئنة. وصار وحيدًا غريبًا، حزينا لذلك كئيبا، لا يُبْدي (١) سنة، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، ونعلم أنّ ما قَدَّر يكون، فنرضى ونُسَلِّم من غير صياح ولا رَنَّة، ولكن نرجوا استمرار حفظها، واستقرار الضبط لمعناها ولفظها، تمسكا بالاندراج في حديث الطائفة المظهرة لما أبرزه المسيء وأكنه. سيما مع العلم بأنها بحمد الله تعالى مُدَوَّنَةٌ مصونة في كتب على الأبواب أو المسانيد، أو الأنواع أو حروف الكلمات الميمونة أو غيرها مما قصد كل منهم به الانتفاع، أو ظنه، بحيث انضبطت السنن كلها، وهبطت البدع وأهلها، والحقُّ نقيٌّ لم يَتَسَنّه، غير أنه انقطع المتصدي لمسمياتها مع أسمائها فضلا عن روايتها ونقلها، والمهتدي للكشف من جُلِّها، ولم يطمع المجتري المعتدي في حلها، وفصل مردودها من مقبولها، وإن أجرى على لسانه صحيحه وحَسَنَه.
وإن من التصانيف الجليلة، المشتملة على التصاريف النبيلة، المدرج في كتب الإسلام، ونُخَب الدواوين العظام، الكتاب الحسن الواضح
(١) هنا كلمة غير واضحة في صورة المخطوطة كما قال محقق الرسالة. فلتحرر.