قال الجامع عفا الله عنه: عندي أن الوجه الأول الذي عزاه إلى القاضي عياض رحمه الله تعالى، وهو أن ذلك السجود من الكفار لمعارضة المسلمين، حيث إنهم سجدوا لله تعالى، فأراد المشركون مخالفتهم في سجودهم لله، فسجدوا يقصد آلهتهم هو الصواب, لأنه الموافق لما هم عليه من العناد، والتكبر عن الحق، وانتصارهم لآلهتهم.
وأما ما اشتهر من أن سبب هذا السجود هو قصة الغرانيق فإنه باطل، وسيأتي بيانه في المسألة التالية، إن شاء الله تعالى.
المسألة السادسة: أنه اشتهر أن سبب سجود المشركين في "سورة النجم" هو ما ذكره جماعة من المفسرين في سبب نزول قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} الآية. [الحج: ٥٢]: أنه - صلى الله عليه وسلم - لما شق عليه إعراض قومه عنه تمنى في نفسه أن لا ينزل عليه شيء ينفرهم عنه لحرصه على إيمانهم، فكان ذات يوم جالسًا في نَادٍ من أنديتهم، وقد نزل عليه سورة {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى}[النجم: ١] فأخذ يقرؤها عليهم حتى بلغ قوله: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [النجم: ١٩, ٢٠]، وكان ذلك التمني في نفسه، فجرى على لسانه مما ألقاه الشيطان عليه: تلك الغرانيق العلى، وإن شفاعتهن لترتجى، فلما سمعت قريش ذلك فرحوا، ومضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في قراءته حتى ختم السورة، فلما سجد في آخرها سجد