للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يرفع رأسه من الركوع: "سمع الله لمن حمده". وقال حينما اعتدل قائما: "ربنا ولك الحمد". فالتسميع ذكر الرفع، والتحميد ذكر الاعتدال، كما بينته الروايات الأخرى. والهاء في "حمده " ضمير يعود لـ"الله" عز وجل. وقيل: هاء سكت، وهو ضعيف.

وفي قوله: "سمع الله" إثبات صفة السمع لله عز وجل. قال ابن منظور رحمه الله تعالى: السميع من صفات الله وأسمائه، لا يَعزُبُ عن إدراكه مسموع، وإن خفي، فهو سميع بغير جارحة. وفَعِيل من أبنية المبالغة، وفي التنزيل: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤]، وهو الذي وسع سمعه كل شيء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الله على: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} الآية [المجادلة: ١]، وقال عز وجل: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى} الآية [الزخرف: ٨٠].

قال الأزهري -رحمه الله-: والعجب من قوم فسَّروا السميع بمعنى الْمُسْمِعِ، فرارا من وصف الله بأن له سمعًا، وقد ذكر الله - صلى الله عليه وسلم - الفعل في غير موضع من كتابه، فهو سميع ذو سمع بلا تكييف، ولا تشبيه بالسمع من خلقه، ولا سمعه كسمع خلقه، ونحن نصف الله بما وصف به نفسه، بلا تحديد، ولا تكييف، قال: ولست أنكر في كلام العرب أن يكون السميع سامعًا، ويكونَ مُسمِعًا، وقد قال: عمرو بن معديكرب: [من الوافر]

أَمِنْ رَيحَانَةَ الدَّاعِي السَّمِيعُ … يُؤَرَّقُنِي وَأَصْحَابِي هُجُوعُ

فهو في هذا البيت بمعنى المُسمِع، وهو شاذّ والظاهر الأكثر من كلام العرب أن يكون السميع بمعنى السامع، مثل عليم، وعالم، وقدير وقادر. انتهى المقصود من كلام ابن منظور رحمه الله تعالى (١).

(وقوله: ربنا") بنصب ربنا على أنه منادى حذف منه حرف النداء، كما قال الحريري رحمه الله تعالى في "ملحة الإعراب":

وَحَذفُ يَا يَجُوزُ فِي النِّدَاءِ … كَقَوْلِهِمْ رَبِّ اسْتَجِبْ دُعَائِي

(وقوله: "ولك الحمد") مبتدأ وخبر، وقدم الخبر لإفادة الحصر، والاختصاص، أي لا لغيرك. واختلفت الروايات في زيادة "اللَّهم"، وفي ثبوت هذه الواو، وحذفها، واختُلِفَ أيضًا في كونها عاطفة، أو زائدة، أو حالية:

قال النوويّ رحمه الله تعالى في "شرح المهذب": ثبت في الأحاديث الصحيحة من روايات كثيرة: "ربنا لك الحمد"، وفي روايات كثيرة "ربنا ولك الحمد"، بالواو، وفي


(١) "لسان العرب" جـ ٣ ص ٢٠٩٦.