للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد تكرر في الحديث، ويرد لمعان متعددة، كالطاعة، والخشوع، والصلاة، والدعاء، والعبادة، والقيام، وطول القيام، والسكوت، فيصرف في كل واحد من هذه المعاني إلى ما يحتمله لفظ الحديث الوارد فيه.

وقال ابن الأنباري: القنوت على أربعة أقسام: الصلاة، وطول القيام، وإقامة الطاعة، والسكوت. وقال ابن سِيدَه: القنوت الطاعة، هذا هو الأصل، ومنه قوله تعالى: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} [الأحزاب: ٣٥] ثم سمي القيام في الصلاة قنوتا، ومنه قنوت الوتر. وقَنَتَ الله يَقْنُتُه: أطاعه. وقوله تعالى: {كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: ٢٦] أي: مطيعون، ومعنى الطاعة ها هنا: أن من في السموات والأرض مخلوقون بإرادة الله تعالى، لا يقدر أحد على تغيير الْخِلْقَة، ولا مَلَك مقرب، فآثار الصنعة والخلقة تدل على الطاعة، وليس يُعْنَى بها طاعة العبادة، لأن فيهما مطيعا، وغير مطيع، وإنما هي طاعة الإرادة والمشيئة. والقانت: المطيع، والقانت الذاكر لله تعالى، كما قال عز وجل: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: ٩]، وقيل: القانت العابد، والقانت في قوله عز وجل: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم: ١٢] أي من العابدين، والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر الله، فالداعي إذا

كان قائما خُص بأن يقال له: قانت؛ لأنه ذاكر لله تعالى، وهو قائم على رجليه، فحقيقة القنوت: العبادة، والدعاء لله عز وجل في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين، فهو قيام بالشيء بالنية. قال ابن سِيدَهْ: والقانت القائم

بجميع أمر الله تعالى، وجمع القانت من ذلك كله: قُنت، قال الْعَجَّاجُ: [من الرجز]

رَبُّ الْبلَادِ وَالعِبَادِ الْقُنَّتِ

وقَنَتَ له: ذلّ، وقَنَتت المرأةَ لبعلها: أقرّت (١). انتهى المقصود من كلام ابن منظور رحمه الله تعالى (٢)

وقد نظم الحافظ أبو الفضل العراقي رحمه الله تعالى معاني القنوت بقوله [من الطويل]:

وَلَفْظُ الْقُنُوتِ اعْدُدْ مَعَانِيَهُ تجَدْ … مَزِيدًا عَلَى عَشْرِ مَعَانِيَ مَرْضِيَّهْ

دُعَاءٌ خُشُوعٌ وَالْعِبَادَةُ طَاعَةُ … إِقَامَتُها إِقْرَارُهُ بِالْعُبُودِيَّهْ

سُكُوت صَلَاةٌ وَالقِيَامُ وَطُولُهُ … كَذَاكَ دَوَامُ الطَّاعَةِ الرَّابِحُ الْقِنْيَهْ (٣)


(١) أي انقادت، وأطاعت له.
(٢) "لسان العرب" ج ٥ ص ٣٧٤٧ - ٣٧٤٨.
(٣) انظر "فتح الباري" جـ ٣ ص ١٧٨.