للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الثابتة في صفة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -. هذا آخر كلام الخطابي، وهو فاسد من أوجه:

مها: أنه اعتمد على أحاديث النهي فيه، وادعى أيضا نسخ حديث ابن عباس، والنسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث، وعلمنا التاريخ، ولم يتعذر هنا الجمع، بل أمكن كما ذكره البيهقي، ولم يعلم أيضا التاريخ، وجعل أيضا الإقعاء نوعا واحدا وإنما هو نوعان، فالصواب الذي لا يجوز غيره أن الإقعاء نوعان كما ذكره البيهقي، وأبو عمرو: (أحدهما): مكروه. (والثاني): جائز وسنة.

وأما الجمع بين حديثي ابن عباس وابن عمر، وأحاديث أبي حميد ووائل، وغيرهما في صفة صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ووصفهم الافتراش على قدمه اليسرى، فهو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له في الصلاة أحوال، حال يفعل فيها هذا، وحال يفعل فيها ذاك، كما كانت له أحوال في تطويل القراءة وتخفيفها، وغير ذلك من أنواعها، وكما توضأ مرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثا ثلاثا، وكما طاف راكبًا وطاف ماشيا، وكما أوتر أول الليل، وآخره، وأوسطه، وانتهى وتره إلى السحر، وغير ذلك كما هو معلوم من أحواله - صلى الله عليه وسلم -، وكان يفعل العبادة على نوعين، أو أنواع في بين الرخصة، والجواز بمرة، أو مرات قليلة، ويواظب على الأفضل بينهما على أنه المختار والأولى.

فالحاصل أن الإقعاء الذي رواه ابن عباس وابن عمر فَعَله النبي - صلى الله عليه وسلم - على التفسير المختار الذي ذكره البيهقي، وفَعَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ما رواه أبو حميد، وموافقوه من جهة الافتراش، وكلاهما سنة، لكن إحدى السنتين أكثر وأشهر، وهي رواية أبي حميد؛ لأنه رواها، وصدّقه عشرة من الصحابة، كما سبق، ورواها وائل بن حجر وغيره، وهذا يدلّ على مواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليها، وشهرتها عندهم، فهي أفضل وأرجح، مع أن الإقعاء سنة أيضا.

فهذا ما يسّر الله الكريم من تحقيق أمر الإقعاء، وهو من المهمات، لتكرر الحاجة إليه في كل يوم، مع تكرره في كتب الحديث والفقه، واستشكال أكثر الناس له من كل الطوائف، وقد منّ الله الكريم بإتقانه، ولله الحمد على جميع نعمه. انتهى كلام النووي رحمه الله تعالى في "المجموع" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لقد أجاد النووي رحمه الله تعالى في جمعه وتحريره، وتحقيقه وتحبيره، فجزاه الله تعالى عن ذلك خيرا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المجموع شرح المهذب" ج-٣ ص ٤١٥ - ٤١٨.