للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الملكَ نفسه، لكنها الكلام الذي يُحَيَّا به الملك. وقال ابن قتيبة: لم يكن يُحَيّا إلا الملك خاصة، وكان لكل ملك تحية تخصه، فلهذا جمُعَت، فكان المعنى التحيات التي كانوا يسلمون بها على الملوك كلها مُستَحَقَّةٌ لله. وقال الخطابي، ثم البغوي: ولم يكن في تحيتهم شيء يصلح للثناء على الله، فلهذا أبهمت ألفاظها، واستعمل منها معنى التعظيم، فقال: قولوا: التحيات لله، أي أنواع التعظيم له. وقال المحب الطبري: يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين المعاني المقدم ذكرها، وكونها بمعنى السلام أنسب هنا. قاله في "الفتح" (١).

وقال البدر العيني رحمه الله تعالى: وقال الخطابي -رحمه الله-: "التحيات" كلمات مخصوصة كانت العرب تحُيّى بها الملوك، نحو قولهم: أَبَيتَ اللعنَ، وقولهم: انعَم صباحا، وقول العجم: وزى ده هزار سال، أي عِشْ عشرةَ آلاف سنة (٢)، ونحوها من عاداتهم في تحية الملوك عند الملاقات، وهذه الألفاظ لا يصلح شيء منها للثناء على الله تعالى، فتُركَتْ أعيان تلك الألفاظ، واستعمل منها معنى التعظيم، فقيل: قولوا: "التحيات لله"، أي أنواع التعظيم لله، كما يستحقه، وروي عن أنس رضي الله تعالى عنه في أسماء الله تعالى السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار الأحد الصمد، قال: التحيات لله بهذه الأسماء، وهي الطيبات، لا يُحَيّا بها غيره.

واللام في "لله" لام الملك والتخصيص، وهي للأول أبلغ، وللثاني أحسن. انتهى كلام البدر العيني رحمه الله تعالى (٣).

وقال ابن منظور -رحمه الله-: والتحيّة: السلام، وقد حيّاه تحيةً، وحكى اللِّحْياني: حيّاك الله تحيّةَ المؤمن، والتحيةُ: البقاء، والتحية: المُلك، وقول زُهير بن جناب الكَلْبي: [من مجزو الكامل]

وَلَكُلُّ مَا نَالَ الْفَتَى … قَدْ نِلْتُهُ إلَّا التَّحِيَّهْ

قيل: أراد الملك. وقال ابن الأعرابي: أراد البقاء؛ لأنه كان مَلكا في قومه. قال ابن بَرِّيّ: زهير هذا هو سيد كَلْب في زمانه، وكان كثير الغارات، وعُمِّر عمرًا طويلا، وهو القائل لمّا حضرته الوفاة:

أَبَنِيَّ إِنْ أَهلِكْ فَإِنْ … فِي قَدْ بَنَيتُ لَكُمْ بَنِيَّهْ


(١) "فتح" ج ٢ ص ٥٧٧.
(٢) سيأتي في "عبارة اللسان" ما يخالف هذا، وأنه ألف عام، فلعله مما اختلف في معناه. والله تعالى أعلم.
(٣) "عمدة القاري" ج ٦ ص ١١١.