للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(عن أنس بن مالك) - رضي الله عنه - (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم) أي ما حالهم وشأنهم. فـ"ما" استفهامية مبتدأ، و"بال أقوام" مضاف ومضاف إليه خبره، أو بالعكس، والاستفهام إنكاري، وجملة "يرفعون" في حل جرّ صفة لـ"أقوام"، أو حال منه، وإن كان، نكرة؛ لوقوعه بعد استفهام إنكاريّ، كما قال في "الخلاصة":

وَلَمْ يُنَكَّرْ غَالِبًا ذُ الْحَالِ إِنْ … لَمْ يَتَأَخَرْ أَوْ يُخصَّصْ أَوْ يَبِنْ

مِنْ بَعْدِ نفْيٍ أَوْ مُضَاهِيهِ كَلَا … يَبْغِ امْرُؤٌ عَلَى امْرِىءِ مُسْتَسْهِلَا

وإنما جاز مجيء الحال من المضاف إليه؛ لكون المضاف كالجزء له، قال في "الخلاصة":

وَلَا تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَه … إِلَّا إِذًا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ

أَوْ كَانَ جُزْءَ مَالَهُ أُضِيفَا … أَوْ مِثْلَ جُزْئِهِ فَلَا تَحَيفَا.

وإنما لم يُعَيِّن الشخص الذي وقع منه الرفع؛ لئلا ينكسر خاطره، إذ النصحية على رؤوس الأشهاد فضيحة.

(إلى السماء) متعلق بـ"يرفعون" (في صلاتهم) متعلق به أيضًا، أو بحال مقدر: أي حال كنهم كائنين في صلاتهم. وفي نسخة: "في الصلاة".

وسيأتي للمصنف من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه بزيادة "عند الدعاء"، فإن حُمِلَ المطلقُ على المقيد اقتضى اختصاص الكراهة بالدعاء الواقع في الصلاة. وقد أخرجه ابن ماجه، وابن حبان من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - بغير تقييد، ولفظه: "لا ترفعوا أبصاركم إلى السماء" يعني في الصلاة. وأخرجه بغير تقييد أيضًا مسلم من حديث جابر ابن سمرة، والطبراني من حديث أبي سعيد الخدري، وكعب بن مالك. وأخرج ابن أبي شيبة من رواية هشام بن حسان، عن محمَّد بن سيرين: "كانوا يلتفتون في صلاتهم حتى نزلت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: ١، ٢]، فأقبلوا على صلاتهم، ونظروا أمامهم، وكانوا يستحبون أن لا يجاوز بصر أحدهم موضع سجوده".

ووصله الحاكم في "المستدرك " بذكر أبي هريرة، ولفظه: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فنزلت: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ}، فطأطأ رأسه". قال: إنه على شرط الشيخين (١).

(فاشتد قوله في ذلك) أي زاد شدة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن رفع البصر إلى السماء، إما بتكرير هذا القول، أو غيره مما يفيد الزجر (وقال: لَيَنْتَهُنَّ عن ذلك) اللام هي الموطئة


(١) "فتح" ج-٢ ص ٤٧٦: و"نيل الأوطار" ج-٢ ص ٢٢٠ - ٢٢١.