والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات؟ فقالوا: أمرّوها كما جاءت بلا كيف.
وذكر عباس الدوري، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: شهدت زكريا بن عديّ سأل وكيع بن الجرّاح، فقال: يا أبا سفيان هذه الأحاديث، يعني مثل الكرسى موضع القدمين، ونحو ذلك؟ فقال: أدركت إسماعيل بن أبي خالد، وسفيان، ومسعرًا يحدثون بهذه الأحاديث، ولا يفسرون شيئًا.
قال عباس بن محمد الدُّوري: وسمعت أبا عبُيد القاسم بن سَلّام، وذُكر له عن رجل من أهل السنة أنه كان يقول: هذه الأحاديث التي تروى في الروية، والكرسيُّ موضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وإن جهنم لتمتلئ، وأشباه هذه الأحاديث، وقالوا: إن فلانًا يقول: يقع في قلوبنا أن هذه الأحاديث حق، فقال: ضَعَّفْتم عندي أمره، هذه الأحاديثُ حق، لا شك فيها، رواها الثقات بعضهم عن بعض، إلا أنّا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نفسرّها، ولم نذكر أحدًا يفسرها.
وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث، ذكره أصبغ، وعيسى، عن القاسم، قال: سألت مالكًا عمن يحدّث الحديثَ "إن الله خلق آدم على صورته"، والحديث "إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة"، وإنه يدخل في النار يده حتى يخرج من أراد، فأنكر إنكارًا شديدًا، ونهى أن يحدث به أحدًا.
وإنما كره ذلك مالك خشية الخوض في التشبيه بكيف ها هنا.
وأخرج عن ابن وضاح، أنه سأل يحيى بن معين عن التنزل؟ فقال: أقرَّ به، ولا تحدّ بقول، كلُّ من لقيت من أهل السنة يصدّق بحديث التَّنَزُّلِ، قال: وقال لي ابن معين صَدِّقْ، ولا تصفه.
وأخرج عن مهديّ بن جعفر، عن مالك بن أنس أنه سأله عن قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: فأطرق مالك، ثم قال: استواءه مجهول (١)، والفعل منه غير معقول، والمسألة عن هذه بدعة.
وأخرج عن أيوب بن صلاح المخزومي، قال: كنا عند مالك، إذ جاءه عراقي، فقال له: يا أبا عبد الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى؟ قال: سألت عن غير مجهول، وتكلمت في غير معقول، إنك امرؤ سوء، أخرجوه، فأخذوا بضبعيه، فأخرجوه.
(١) هكذا نسخة "التمهيد" "استوؤه مجهول"، والظاهر أن الصواب "الاستواء غير مجهول" بدليل الرواية التالية. والله أعلم.