للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الخروج بالتحرّي عن دائرة الشكّ لغةً، ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه قد فعل من الصلاة كذا ركعات، فلا شكّ أنه مقدّم على البناء على الأقلّ، لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقلّ عدمَ الدراية، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، وهذا المتحري قد حصلت له الدراية، وأمر الشاكّ بالبناء على ما استيقن، كما في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه -، ومن بلغ به تحرّيه إلى اليقين قد بنى على ما استيقن (١).

وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة، وأن التحرّي المذكور مقدّم على البناء على الأقلّ، وقد أوقع الناس ظنُّ التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق، ليس عليها أثارة من علم، كالفرق بين الْمُبْتَدَإِ وَالْمُبْتَلَى، والركن والركعة. انتهى كلام الشوكاني رحمه الله تعالى (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله الشوكاني رحمه الله تعالى تحقيق حسن جدًّا.

وخلاصته: أن من شكّ في صلاته لا يخلو إما أن يكون له تحرٍّ وميل إلى أحد العددين، فيبني على العدد الذي مال إليه قلبه، ويسجد سجدتي السهو بعد السلام، على ما في حديث عبد الله بن مسعود الآتي، وإما أن لا يكون له ميل إلى أحد العددين، فيبني على اليقين، وهو الأقلّ، ويسجد سجدتي السهو قبل السلام، على حديث أبي سعيد، وابن عباس - رضي الله عنهما -.

والحاصل أن المذهب الراجح هو الذي فصّل الشكّ على التفصيل المذكور، فإنه يَجمَعُ بين أحاديث الباب من غير تعرض لإهمال بعضها، وما عداه من الأقوال إما أن يلزم منه حمل بعض الأخبار على بعضها بتكلف وتعسف، وإما أن يكون رأيًا محضًا لا مُستَنَدَ له، ولا أثارة عليه من العلم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.

١٢٣٩ - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -وَهُوَ (٣) ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ- عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ: "إِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ صَلَّى ثَلَاثًا، أَوْ (٤) أَرْبَعًا؟،


(١) الظاهر أن الشوكاني يَرَى تقسيم الشاكّ إلى ثلاثة أقسام: متردد، ومن ترجح عنده أحد الطرفين، ومن تيقن بعد التردّد على أحد الأمرين، لكن تقسيمه إلى قسمين أقرب إلى ظواهر الأحاديث، ولأن المتيقن بعد التردّد يعلم حكمه من حكم من غلب ظنه من باب أولى. والله أعلم.
(٢) "نيل الأوطار" جـ ٣ ص ١٣٨.
(٣) كلمة "وهو" ساقطة من بعض النسخ.
(٤) وفي نسخة: "أم أربعًا".