* ولذا قال أبو عبد الله بن رُشَيْد:"إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفًا، وأحسنها ترْصيفًا، وهو جامع بين طريقي البخاري ومسلم مع حظ كبير من بيان العلل التي كأنها كهانة من المتكلم".
وهذا الكلام أشبه من تفضيل بعض المغاربة له على كتاب البخاري مُعلَّلًا مقاله بـ (أن مَنْ شَرَطَ الصحة فقد جعل لمن لم يَستكمل في الإدراك سببًا إلى الطعن علي ما لم يُدْخلْ) ولم يُبرهن بما لعله يندفع به الجدال فيما أدخل، بل هو كلام ساقط حكمًا وتعليلا وإن اعتمده المجد البرماوي فيما بلغني عنه.
ولكن قد أشعر بموافقته في الحكم بعض المكيين من شيوخ ابن الأحمر حيث قال: إنه أشرف المصنفات كلها، وما وُضع في الإسلام مثله.
ولا يُعتذر عنه بأن (أشرف) لا يقتضي الترجيح في الأصحية.
لأنّا نقول: قد صرحّ شيخنا تبعًا لشيخه -رحمهما الله تعالى- بأن صيغة "أفعل" و "أجود، وأحسن، وأشرف" سواء، نعم: صحيح وجيد وحسن وشريف متفاوتة.
ويمكن أن يقال: التعبير بـ (أشرف) وإن شارك التعبير بغيره لا يقتضي الأفضلية من كل وجه، ويكون هنا بالنسبة إلى الوضع والإفصاح خاصّة.
وإن رجّح كل من الذهبي والتقي السبكي، كما سيأتي الإمامَ النسائيَّ على الإمام مسلم، فترجيح العالم وإن كان ظاهرًا في ترجيح مُصَنَّفه فذلك في الغالب، وإلا فربّ مرجوح يكون مُصَنَّفُه أرجح.
* وأحسن من هذا كله قول الحافظ أبي عبد الله بن مَنْده، كما سيأتي