قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فإن قيل: هذا الحديث يدلّ على أنه لا يشرع تحريك الإصبع، ويعارضه ما تقدم في حديث وائل بن حجر رضي الله تعالى عنه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يحرّكها.
قلت: لا تعارض بينهما، لإمكان الجمع بحملهما على أوقات مختلفة، فيكون -صلى الله عليه وسلم- فعل التحريك في بعض الأوقات، فشهد وائل -رضي الله عنه- ذلك منه، فأخبر به، وكان في أكثر الأوقات لا يحرّك، كما تفيده لفظة "كان" في حديث ابن الزبير -رضي الله عنهما-.
وأما تضعيف حديث عبد الله بن الزبير بسبب تفرّد ابن عجلان -كما قال بعضهم- فليس بجيّد، فإن زيادة ابن عجلان ليست منكرة، لأنه ثقة متفق على توثيقه، وإنما تكلموا باضطرابه في أحاديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فقط، وهذا ليس منها، ولأن روايته يشهد لها حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما التي فيها وصف كيفية القبض والإشارة بحيث دقق فيها، فإنها خالية عن التحريك، فهي موافقة لراوية ابن عجلان. على أَنَّ التحريك المذكور في حديث وائل قيل بشذوذه، فقد ألف في ذلك رسالة بعض من عاصرناه. فتبصّر. والله تعالى أعلم.
(قال ابن جريج: وزاد عمرو) أي ابن دينار الْجُمَحيّ مولاهم، أبو محمد المكي، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته ١١٢/ ١٥٤ (قال: أخبرني عامر بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-) مقصود ابن جُريج أنه روى هذا الحديث عن شيخين: أحدهما: زياد بن سعد ولفظه ما تقدّم، والثاني: عمرو بن دينار، ولفظه: أخبرني عامر بن عبد الله الخ، والطريق الثاني أعلى لأن بينه وبين عامر واسطةً واحدةً، بخلاف الأول، فإن فيه واسطتين، زياداً، وابنَ عجلان. والله تعالى أعلم.
(يدعو كذلك) أي يتشهد على مثل الصفة المتقدمة من الإشارة بالإصبع (ويتحامل بيده اليسرى على رجله اليسرى) أي يعتمد بها عليها، والمراد وضع يده اليسرى، وبسطها على فخذه اليسرى من دون قبض، ولا تحليق، ولا إشارة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عبد الله بن الزبير هذا صحيح، كما حققه آنفاً.
المسألة الثانية: في بيان مواضع ذكر المصنف له:
أخرجه هنا -٣٥/ ١٢٧٠ - وفي "الكبرى" -٧٠/ ١١٩٣ عن أيوب بن محمد الوزّان،