للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ونقل محمد بن يحيى الكحال عن أحمد -فيمن سلّم، ولم يتشهد-: لا إعادة، واستدلّ بحديث ابن بُحينة.

ونقل ابن وهب عن مالك، قال: كلّ أحد يحسن التشهد إذا ذكر الله أجزأ عنه. وقال أحمد في رواية عنه، نقلها حرب: إذا لم يقدر أن يتعلّم التشهد يدعو بما أحبّ.

وأوجب أبو حنيفة الجلوس له بقدر التشهد دون التشهد، وهو رواية عن الثوريّ، وروي عنه: إن أحدث قبل التشهد تمت صلاته.

وحُكي القول بأنه سنة روايةً عن أحمد أيضاً حكاه عنه الترمذي في "جامعه"، فإنه قال في رواية ابن منصور، وقد قيل له: فإن لم يتشهد وسَلَّم؟ قال: التشهد أهون، قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثنتين، ولم يتشهد، فحَمَلَه هؤلاء على أن التشهد غير واجب، ومنهم من حمله على التشهد الأول، لاستدلاله عليه بالحديث، والحديث إنما ورد في الأول، وقالوا: قد فرق بين الأول والثاني في روايات أخر عنه.

وقالت طائفة: هو واجب تطل الصلاة بتركه عمداً، ويسجد لسهوه، وهو قول الزهريّ، والثوريّ، وحكي عن الأوزاعيّ أيضاً، ونقله إسماعيل بن سعيد، وأبو طالب، وغيرهما عن أحمد، وذكر أبو حفص البرمكي من الحنابلة أن هذا هو مذهب أحمد، وأنه لا فرق عنده بين التشهد الأول والثاني، وأنهما واجبان، تبطل الصلاة بتركهما عمداً، ويسجد لسهوهما.

وهو أيضاً قول أبي خيثمة، وسليمان بن داود الهاشميّ، وأبن أبي شيبة.

واستدَلَّ من قال: إنه فرض بحديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه المذكور في الباب: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله" … الحديث، وذكر فيه أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم بالتشهد، وتعليمه لهم. انتهى كلام ابن رجب رحمه الله تعالى ببعض تصرف (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يترجّح عندي قول من قال بوجوب التشهدين جميعاً، لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك، كما تقدّم في حديث رفاعة بن رافع رضي الله تعالى عنه، والأمرُ للوجوب، ولمواظبته -صلى الله عليه وسلم- على ذلك، ولحديث ابن مسعود -رضي الله عنه- المذكور في الباب، حيث قال: "قبل أن يُفرض علينا التشهد" الخ، فإنه نصّ في كون التشهد فرضاً، وحديثه الآتي بعد باب -٤٣/ ١٢٧٩ - "فإذا قعد أحدكم، فلقيل: التحيات لله" … الحديث، فإنه أمر صريح بقراءة التشهد في قعود الصلاة.


(١) "فتح الباري" للحافظ ابن رجب جـ ٦ ص ٣١٧ - ٣٢٠.