قالت: سمعت عائشة تقول: جاءتني يهوديّة، تسألنى، فقالت: أعاذك الله من عذاب القبر، فلمّا جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: يا رسول الله أيعذب الناس في القبور؟ فقال:"عائذاً بالله … " الحديث.
(فقال: نعم عذاب القبر حقّ) ظاهره أن هذا الجواب كان عقب سؤالها -رضي الله عنها-، لكن سيأتي أن جوابه -صلى الله عليه وسلم- كان بعد أن أنكر ذلك على يهودية، ثمّ أوحي إليه، ففي الرواية الآتية في "كتاب الجنائز" ١١٥/ ٢٠٦٤ - من رواية عروة عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: دخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعندي امرأة من اليهود، وهي تقول: إنكم تفتنون في القبور، فارتاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال: إنما تُفتن يهودُ، وقالت عائشة: فلبثنا ليالي، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور"، قالت عائشة: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعدُ يستعيذ من عذاب القبر.
وأخرج مسلم من طريق ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: دخلت عليّ امرأة من اليهود، وهي تقول: هل شَعَرت أنكم تفتنون في القبور؟ قالت: فارتاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال:"إنما يُفتَن يهود"، قالت عائشة، فلبثنا ليالي، ثمّ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هل شَعَرت أنه أوحي إليّ أنكم تفتنون في القبور"، قالت عائشة: فسمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من عذاب القبر.
وأخرج أحمد بإسناد على شرط البخاريّ، عن سعيد بن عمرو بن سعيد الأمويّ، عن عائشة -رضي الله عنها-: أن يهودية كانت تخدمها، فلا تصنع عائشة لها شيئاً من المعروف إلا قالت لها اليهوديّة: وقاك الله عذاب القبر، قالت: فقلت: يا رسول الله هل للقبر عذاب؟، قال: كذبت يهود، لا عذاب دون يوم القيامة، ثمّ مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث، فخرج ذات يوم نصف النهار، وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر، فإن عذاب القبر حق".
(قالت عائشة) -رضي الله عنها- (فما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاةً) وفي نسخة "صلى صلاة" (بعدُ) بالبناء على الضم، لأنه من الظروف التي تبنى على الضم لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها، أي بعد أن سألته عائشة -رضي الله عنها- عن عذاب القبر؟، فأعلمه الله بالوحي أنه حقّ، وأجابها بذلك (إلا تعوّذ من عذاب القبر) هو ضرب من لم يُوفَّق للجواب عند السؤال بمقامع من حديد، وغيره من أنواع العذاب، كشدة الضغطة، ووحشة الوحدة، والمراد بالقبر البرزخ، والتعبير به للغالب، أو كلّ ما استقرّ فيه أجزاؤه فهو قبره.
وفيه إثبات عذاب القبر، والرّدّ على المنكر لذلك من المعتزلة، وسيأتي الكلام عليه