للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُستدان فيما لا يجوز، أو فيما يجوز، ثم يعجز عن أدائه، ويحتمل أن يراد به ما هو أعمّ من ذلك، وقد استعاذ -صلى الله عليه وسلم- من غلبة الدين. وقال القرطبي: المغرم الغرم، وقد نبّه في الحديث على الضرر اللاحق من المغرم انتهى (١).

وقال السنديّ: بعد ذكر الأقوال السابقة: قلت: والظاهر أن المراد ما يُفضي إلى المعصية بسبب ما انتهى (٢).

(فقال له قائل) هي عائشة -رضي الله عنها-، كما بينته رواية المصنف -٩/ ٥٤٥٤ - من طريق معمر، عن الزهري، ولفظها: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر ما يتعوّذ من المغرم والمأثم، قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تتعوذ من المغرم؟، قال: "إنه من غرم حدّث، فكذب، ووعد فأخلف".

(ما أكثر ما تستعيذ من المغرم) "ما" الأولى تعجبية، و"أكثر" -بفتح الراء- فعل تعجب، و"ما" الثانية مصدريّة، والمصدر المؤوّل منصوب على أنه مفعول فعل التعجّب. كأن هذا القائل رأى أن الدين إنما يتعلق بضيق الحال، ومثله لا يحترز عنه أصحاب الكمال. قاله السندي رحمه الله تعالى.

(فقال: إن الرجل) المراد الجنس، وغالب حاله (إذا غرم) -بكسر الراء- أي لزمه دين، والمراد استدان، واتخذ ذلك دأبه وعادته، كما يدلّ عليه السياق (حدّث) -بتشديد الدّال- أي أخبر عن ماضي الأحوال لتمهيد عذره في التقصير (فكذب) لأنه إذا تقاضاه ربّ الدين، ولم يحضر ما يؤدي به دينه يكذب ليتخلص من يده، ويقول: لي مال غائب إذا حضر أؤدي دينك (ووعد) أي في المستقبل بأن يقول: أعطيك غداً، أو في المدّة الفلانية (فأخلف) في وعده.

وبما تقرّر عُلم أن "غرم" شرط، و"حدّث" جزاء، و"كذب" عطف على الجزاء مرتب عليه، و"وعد" عطف على "حدّث"، لا على "غرم"، و"أخلف" مرتب عليه.

وحاصل الجواب أن الدين يؤدي إلى خلل بالدين، فلذلك وقعت العناية بالمسألة.

واستُشكل دعاؤه صلى الله عليه وسلم بما ذكر مع أنه معصوم مغفور له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر.

وأجيب بأجوبة:

(أحدها): أنه قصد التعليم لأمته.

(ثانيها): أن المراد السؤال منه لأمته، فيكون المعنى هنا: أعوذ بك لأمتي.


(١) "فتح" جـ ٢ ص ٥٨٤ - ٥٨٥.
(٢) "شرح السندي" جـ ٣ ص ٥٧.