للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ومنها: حديث أنس -رضي الله عنه- قال: "أخّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصلاة ذات ليلة إلى شطر الليل، ثم خرج علينا، فلما صلى أقبل علينا بوجهه … " الحديث. أخرجه البخاري أيضاً.

فهذه الأحاديث تدلّ على استحباب استقبال الإمام للمأمومين بعد الفراغ من الصلاة، والمواظبة على ذلك، لما يشعر به لفظ "كان"، كما تقرّر في الأصول

وقال النووي رحمه الله تعالى: المختار الذي عليه الأكثرون والمحققون من الأصوليين أن لفظة "كان" لا يلزمها الدوام، ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض، يدلّ على وقوعه مرة انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: الظاهر أن القول بدلالتها على الدوام، إلا أن تدلّ قرينة على خلاف ذلك هو الأرجح، قال الله تعال: {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤]. وقال: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]، وقال: {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا} [النساء: ١١٣]، إلى غير ذلك من الآيات. والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: قيل: الحكمة في استقبالهم أن يعلّمهم ما يحتاجون إليه، وعلى هذا يختصّ بمن كان حاله في مثل حاله -صلى الله عليه وسلم- من الصلاحية للتعليم والموعظة.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى الاختصاص فيه نظر.

وقيل: الحكمة أن يعرف الداخل انقضاء الصلاة، إذ لو استمرّ الإمام على حاله لأوهم أنه في التشهد مثلاً.

وقال الزين ابن المنَيّر: استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحقّ الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، واستقبالهم حينئذ يرفع الخُيَلاء والترفّع على المأمومين.

وحديث سمرة -رضي الله عنه- يدلّ على أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يُقبل على جميع المأمومين، وحديث البراء يدل على أنه كان يقبل على من في جهة يمينه.

ويمكن الجمع بينهما بأنه كان تارة يستقبل جميع المأمومين، وتارة يستقبل أهل يمينه.

أو يُجعَلُ حديثُ البراء مفسّرًا لحديث سمرة -رضي الله عنه-، فيكون المراد بقوله: "أقبل علينا" أي على بعضنا.

أو أنه كان يصلي في الميمنة، فقال ذلك باعتبار من يصلي في جهة اليمين. أفاده في "النيل" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: خلاصة القول في هذه المسألة أن الأحاديث الصحاح


(١) "نيل الأوطار" جـ ٢ ص ٣٦١.