وفي الرواية الآتية في "كتاب الاستعاذة" -٥٦/ ٥٥١٩ - :"اللَّهم رب جبرائيل، وميكائيل، ورب إسرافيل أعوذ بك من حرّ النار، ومن عذاب القبر".
ووجه تخصيص هؤلاء الملائكة بالذكر دون غيرهم من الملائكة، لكونهم السَّفَرَة بين الله تعالى وبين الخلائق، حيث إنّ المقادير الإلهية بين الخلائق تجري على أيديهم، فجبريل له السفارة في الوحي، فإنه ينزل إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بالهدى لتبليغ الأمم، وإسرافيل موكّل بالنفخ في الصور للقيام من القبور، والحضور ليوم النشور، ليفوز الشَّكُور، ويُجازَى الكفور، وميكائيل موكّل بالقطر والنبات اللذين يُخلق منهما الأرزاق لجميع الحيوانات. والله تعالى أعلم.
(أعذني من حرّ النار) أي اعصمني، واحفظني منه، والاستعاذة من حرّها إما تعبير عن الأعلى بالأدنى، ويكون الاستعاذة من الأعلى بطريق الأولى، وإما أن يكون الحرّ عبارة عن جميع عذابها الذي أعدّه الله للعصاة من عباده، والأول أقرب. والله تعالى أعلم.
(ومن عذاب القبر) فيه إثبات عذاب القبر، وقد تقدّم الكلام عليه في -٦٤/ ١٣٠٨ - وسيأتي تمام البحث فيه في "كتاب الجنائز" إن شاء الله تعالى.
والحديث يدلّ على استحباب الدعاء بعد الفراغ من الصلاة بهذا الدعاء، ففيه دعاء الربّ سبحانه بوصفه أنه رب هؤلاء الملائكة المعظمين، ففي الإضافة إليهم إعلام بعظمة ربوبيته، وإظهار عبوديتهم له سبحانه، وإذا كان ربّ هؤلاء فبالأحرى أن يكون ربّ من سواهم ممن احتوى عليه ملكوت السموات والأرض. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلق بهذا الحديث:
المسألة الأولى: في درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هذا صحيح.
فإن قلت: في إسناده قُدَامة، قال عنه في "ت": مقبول.
قلت: قُدَامة روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان، وقال الحافظ الذهبي في "الكاشف": وُثّق، ولم ينفرد برواية هذا الحديث، فقد تابعه أبو حسّان العامريّ، عند المصنف في "كتاب الاستعاذة" -٥٦/ ٥٥١٩ - وهو صدوق، كما قال في "ت"، وقال فيه أحمد: لا بأس به، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال الدارقطني: صالح، وصحح حديثه ابن خزيمة، وحسنه ابن القطان الفاسي. انظر ترجمته في "تت" جـ ١ص ١٨٥ - ١٨٦ - طبعة مؤسسة الرسالة الجديدة.