فتحصل هذا أن الصحيح في معناها أن إثباتها إثبات، ونفيها نفي، كسائر الأفعال، فعلى هذا فما قاله الكرماني هو الراجح، فظاهر الحديث أن عمر -رضي الله عنه- لم يصل العصر، مثل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبقية الصحابة -رضي الله عنهم-.
فقول الحافظ: فإن قيل: الظاهر أن عمر كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكيف اختصّ بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس، بخلاف بقية الصحابة، والنبي -صلى الله عليه وسلم- معهم؟.
فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس، وكان عمر حينئذ متوضئًا، فبادر، فأوقع الصلاة، ثم جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- فيها قد شرع يتهيأ للصلاة، ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء.
مبني على القول المرجوح أيضًا.
وقد اختُلف في سبب تأخير النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلاة ذلك اليوم، فقيل: كان ذلك نسيانًا، واستُبعد أن يقع ذلك من الجميع، ويمكن أن يُستدَلّ له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى المغرب يوم الأحزاب، فلمّا سلّم قال: "هل علم رجل منكم أني صلّيت العصر؟ "، قالوا: لا يا رسول الله، فصلى العصر، ثم صلى المغرب انتهى.
وفي صحّة هذا الخبر نظر، لأنه مخالف لما في "الصحيحين" من قوله -صلى الله عليه وسلم- لعمر: "والله ما صليتها"، ويمكن الجمع بينهما بتكلّف.
وقيل: كان عمدًا، لكونهم شغلوه، فلم يمكّنوه من ذلك، وهو أقرب، لاسيما، وقد وقع عند أحمد، والنسائي من حديث أبي سعيد -رضي الله عنه-، أن ذلك كان قبل أن يُنزل الله في صلاة الخوف: {فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: ٢٣٩].
وقد اختُلف في هذا الحكم، هل نسُخ أو لا؟، كما سيأتي في "كتاب صلاة الخوف"، إن شاء الله تعالى انتهى (١).
(حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ، تَغْرُبُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "فَوَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا") هذا محل الترجمة، فإنه يدلّ على أنه إذا قيل للرجل: هل صلّيت، ولم يصلّ يجوز أن يقول: ما صليت.
(فَنَزَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى بُطْحَانَ) قال النووي رحمه الله: هو بضم الباء الموحّدة، وإسكان الطاء، وبالحاء المهملتين، هكذا هو عند المحدّثين في رواياتهم، وفي ضبطهم
(١) "فتح" جـ ٢ ص ٢٦٦ - ٢٦٧.