تعالى عنهما (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمُ الْجُمُعَةَ) المراد به الصلاة، أو المكان الذي تقام فيه الصلاة، وذكر المجيء لكونه الغالب، وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورًا للجامع، أو مقيمًا به. قاله في "الفتح".
وقال ولي الدين رحمه الله: ليس المراد بالمجيء إلى الجمعة أن يكون بينه وبين المكان الذي تقام فيه الجمعة مسافة، يَحتاج إلى قطعها، بل المقيم في المكان الذي يُجمَّع فيه حكمه كذلك، فالمجيء من مكان آخر ليس مقصودًا، وإنما المراد من أراد أن يُصلى الجمعة، فليغتس، وإن كان سبب ورود الأمر بالغسل للجمعة أنهم كانوا ينتابنون الجمعةَ من منازلهم، ومن العوالي، فيأتون في الغبار، فقال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لو تطهرتم ليومكم هذا"، كما في حديث عائشة -رضي الله عنهما- ولكن الحكم يعم الآتي من بَعُدَ، ومن قَرُبَ، ومَن هو مقيم في مكان الجمعة، والله أعلم انتهى (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: يؤيد ذلك حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- المتقدم في الباب الماضي:"غسلُ يوم الجمعة وأجب على كلّ محتلم". فإنه أطلق الغسل فعم من كان بعيدًا من الجمعة، ومن كان قريبًا لها. والله تعالى أعلم.
(فَلْيَغْتَسلْ) الفاء للتعقيب، وظاهره أن الغسل يَعقُب المجيء، وليس ذلك مرادًا، وإنما التقدير: إذا أراد أحدكم المجيء إلى الجمعة، وقد جاء مصرحًا به في رواية الليث، عن نافع عند مسلم، ولفظه:"إذا أراد أحدكم الجمعة، فليغتسل"، ونظيره قوله تعالى:{إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً} الآية [المجادلة: ١٢]، فإن المعنى: إذًا أردتم المناجاة، بلا خلاف.
ويقوى روايةَ الليث حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- الآتي -١٤/ ١٣٨٨ - "من أغتسل يوم الجمعة غُسل الجنابة، ثم راح … " فإنه صريح في تأخير الرواح عن الغسل.
وعُرف بهذا فساد قول من حمله على ظاهره، واحتجّ به على أن الغسل لليوم، لا للصلاة، لأن الحديث واحد، ومخرجه واحد، وقد بيّن الليث في روايته المرادَ، وقوّاه حديث أبي هُريرة -رضي الله عنه-. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.